|
|||
بمناسبة الأول من آذار، ذكرى تحرير الجيش العربي الأردني من القيادة البريطانية، أجدني مدفوعا لإزاحة العواطف جانبا، وتكريس المزيد من الجهد لقراءة تجربة جيشنا. كُتبتْ آلاف النصوص الأردنية في مديح وتمجيد الجيش. وهو يستحق ذلك بالطبع، لكن 99 بالمائة من تلك النصوص سطحية ودون مستوى هذه المؤسسة الوطنية المركزية في ماضي الأردن وحاضره ومستقبله. وفي ضوء ما يسمى " الربيع العربي"، اكتشف الفكر السياسي العربي، مجددا، أهمية الجيوش الوطنية في الحفاظ على الدول الوطنية في مواجهة الانفراط والفوضى. ولكن لم تجر حتى الآن مراجعة شاملة لهذه القضية البالغة الأهمية. يحتاج تطوير الفكر السياسي الأردني إلى وقفة بحثية حول تجربة جيشنا. وربما تكون البداية، في ندوة علمية، تبحث في الآتي: (1) دور الجيش في إعادة إنتاج الوطنية الأردنية من المكونات الاجتماعية الثقافية التاريخية للمجتمع الأردني المتكون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتوليف أبناء الأردن في شخصية وطنية مميزة، (2) دور الجيش السياسي في المراحل المختلفة من تاريخ الأردن المعاصر، (3) دور الجيش التنموي والآفاق الممكنة لقيام المؤسسة العسكرية بقيادة نهضة تنموية في البلاد، (4) دور الجيش في استيعاب التكنولوجيا والمهارات الحديثة في المجالات الهندسية والمعلوماتية والطبية الخ وامكانية تنظيم هذا الدور في إطار خطة وطنية، (5) دور الجيش في البادية وادماجها، (6) دور الجيش القائم والممكن في عملية تصنيع البلاد. وهذه المحاور التي يمكنها أن توضح الأدوار والإمكانات الضخمة للمؤسسة العسكرية، تهمنا اليوم للخروج من أزماتنا السياسية والفكرية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية. وننطلق، هنا، من ثلاثة معطيات هي (1) أن المؤسسة العسكرية هي المؤسسة الأردنية الوحيدة التي تنطبق عليها شروط الحداثة الإدارية والتقنية والميدانية وشروط التأهيل والكفاءة والانتاجية بالمعايير العالمية، (2) أن المؤسسة العسكرية هي التجمع الأردني الوحيد المتماسك بصلابة ولا يخضع لانشقاقات تعصبية أو سياسية الخ (3) أن المؤسسة العسكرية ربما كانت المؤسسة الوحيدة التي تحظى بالإجماع الوطني الأردني. غير أن كل ذلك يستند إلى حقيقة كبرى. وهي أننا نملك جيشا عصريا بالمعنى العسكري القتالي للكلمة. ولو كانت لدينا الموارد الكافية والقدرة الأكثر استقلالية على التحرك السياسي، فإن الجيش العربي الأردني قادر على أن يطوّر نفسه على مستوى غير مسبوق. تاريخ الجيش العربي الأردن هو تاريخ نجاح عسكري، يستند إلى التنظيم والكفاءة والبسالة بأكثر مما يستند إلى جودة الأسلحة. وعلينا أن نلاحظ أن جيشنا منذ تأسيسه وحتى الآن، لم يُهزَم في أي معركة خاضها، سوى حرب حزيران ال67 وهي هزيمة لا تحسَب عليه، كمؤسسة، وإنما هي نتاج ( 1) اضطراب الإدارة السياسية، بما في ذلك عدم تحديد أهداف المعركة، (2) وخضوع قواتنا للقيادة المصرية التي لم تلتفت إلى خطط ضباطنا ونصائحهم. ومع ذلك، ينبغي التذكير هنا أن أداء جيشنا في ال67 كان الأفضل بين الجيوش العربية، فأوقع في صفوف المعتدين الإسرائيليين ثلاثة أرباع خسائرهم في تلك الحرب، وتمكن من تنظيم انسحاب حافظ على عمود القوات تحت المطاردة والقصف؛ فقد كان قرار العدو ليس احتلال الضفة فقط، بل وتدمير قواتنا التي أظهرت في معركة الكرامة 1968 وفي حرب الاستنزاف 67 ـ 70 قدرات قتالية يعتدّ بها. جيشنا هو عماد الوطنية الأردنية، وعماد الدولة والكيان. ومن أسف أنه لا يوجد الآن مقر قيادة يليق بجيشنا بعدما انتزعت منه عقلية البزنس مقر القيادة في العبدلي التي طالما أملنا، بلا جدوى، تحويلها متحفا حربيا، ومقر القيادة الجديد في دابوق، الذي تحوّل، بالفعل، إلى متحف لخطط البزنس الفاشلة. |
جيشنا، تجربة وآفاق
أخبار البلد -