لا يستطيع المرء أن يكتم دهشته حين يقرأ في صحف الصباح تصريحا منسوبا إلى أحد المسئولين بالإخوان يقول فيه إن الجماعة تطالب بست (في قول آخر بثماني) حقائب في الحكومة التي دعا الرئيس مرسي إلى تعديلها. ليس العدد سبب دهشتي ولكنها الفكرة ذاتها. ذلك أنني استغرب أن تفكر أية قيادة في الإخوان في زيادة تمثيلها في الحكومة، في حين تتراجع شعبيتها في الشارع.
وسواء كان ذلك راجعا إلى أخطاء وقعت فيها الجماعة وأدت إلى إضعاف أو هدم جسورها مع القوى السياسية الأخرى، أو إلى كثافة الإعلام المضاد، فالنتيجة واحدة. بالتالي فما ينبغي أن تنشغل به الجماعة في الوقت الراهن هو تقوية الحكومة وتعزيزها بأرفع الكفاءات إلى جانب كيفية ترميم علاقتها مع الآخرين. وليس تكثيف وجودها في السلطة. وكان ظني -ورجائي- أن تجري قيادة الجماعة في هذه المناسبة نقدا ذاتيا شجاعا أولا، لتقييم الثمن الذي دفعته الجماعة من جراء تحالفها مع السلفيين. وثانيا لتحري الأسباب التي أدت إلى انفضاض كثيرين من حولها أشخاصا كانوا أم أحزابا. وفي ذات الوقت تفكر جديا في تصحيح ذلك الموقف وإعادة مد الجسور مع بقية القوى السياسية، أو على الأقل مع الأطراف الذين لم يكونوا خصوما لها. وفي هذه الحالة فإن التفكير الذي أتصوره سديدا ينبغي أن يتجه إلى توسيع ضم الآخرين المعارضين للحكومة إلى جانب إعلاء قيمة الكفاءة فوق الانتماء للجماعة.
لقد كان لي في وقت مبكر تحفظ على فكرة تشكيل الإخوان للحكومة أيا كانت الأغلبية التي تمتعوا بها في الانتخابات النيابية، لأسباب تعلقت بالملاءمة السياسية والخبرة العملية. واقترن ذلك التحفظ بتحذير الإخوان من ثلاث فتن باتوا يتعرضون لها، حصرتها آنذاك في فتنة الأغلبية وفتنة السلطة وفتنة الإعلام. لكن الأمور اتخذت مسارا آخر، ففاز الإخوان بالرئاسة، ولم يشكلوا حكومة إخوانية لكن رئيس الجمهورية كلف شخصية غير إخوانية برئاستها. واختار لها خمسة من الإخوان من بين 35 وزيرا في الحكومة. ومع ذلك فقد غابت عنها القوى السياسية الأخرى بعد اعتذارها عن عدم المشاركة. وحتى إذا كان الاعتذار غير بريء (سمعت من أحد المعتذرين قوله إن حزبه أراد للإخوان أن يشربوها وحدهم)، فقد كان يتعين على الإخوان أن يضموا إلى الوزارة أكبر عدد من الخبراء ذوي الكفاءات المستقلة التي يمكن أن يمثل وجودها إعلانا جادا ومقنعا عن أنها حكومة وحدة وطنية وليست حكومة الإخوان. ورغم أن المأزق الاقتصادى الذي تواجهه مصر الآن كان ينتظر أية حكومة أخرى، إلا أن الرأي العام سيظل يربط بين ذلك المأزق وبين جماعة الإخوان دون غيرها.
لست في وارد تقييم موقف الجماعة، الذي أرجو أن تمارسه قياداتها وقواعدها، لكنني أقول بسرعة إن كثيرين من المتحدثين باسمها استسلموا للفتن الثلاث التي حذرت من الوقوع فيها، الأمر الذي يسوغ لي أن أقول إنهم كانوا ولا يزالون ظالمين ومظلومين.
وفي هذا الصدد، فإنني لست أبرئ المعارضين الذين كان أكثرهم حريصا على تصفية الحساب معهم وإفشالهم. بأكثر من حرصه على التعويل على ما هو إيجابي في محيطهم لصالح تحقيق أهداف الثورة وإقالة البلد من عثرته.
من ثم، فإن منهم من ظل مشغولا بهزيمة ما سمى بالإسلام السياسي بأكثر من انشغاله بالانتصار للثورة وإعلاء مصلحة الوطن.
لن أستغرب إذا قيل إن الخبر الذي نشرته الصحف عن مطالبة الإخوان بذلك العدد من الحقائب الوزارية غير صحيح، وأنه جزء من حملة التشويه التي يتعرضون لها عبر وسائل الإعلام المنحازة. وهو أمر ليس مستبعدا لأننا نتابع أصداء هذه الحملة منذ تولي الدكتور مرسي منصبه.
وقد قرأنا قبل أيام قليلة في عناوين تحذيرية صارخة أن الإخوان طلبوا ترخيص 470 قطعة سلاح، وانهالت علينا التعليقات والرسوم الكاريكاتورية المنددة بالمطلب والمستهجنة له، إلى أن كذبت وزارة الداخلية الخبر.
ومع ذلك ظل التنديد مستمرا. ليست تلك هي الحالة الوحيدة بطبيعة الحال لأن حرب الشائعات تعد أحد الأسلحة الفتاكة المستخدمة في التجاذب السياسي الذي تشهده مصر. إلا أن ما شجعني على التعليق على خبر الحقائب الوزارية والاستطراد فيه أن أحدا من الجماعة لم يكذبه حتى الآن. ولا أخفي أنني انتهزتها فرصة لتنبيه الإخوان وتحذيرهم، خصوصا أن ثمة انتخابات نيابية في الطريق، حيث سيتعرض الجميع للامتحان، الذي فيه يكرم الحزب أو يهان.