إذا عرفنا الدولة بأنها أشبه بكائن حي ، فسأضرب مثلا من البيئة، فالثعبان يغيرّ طبقة جلده كل عام ، ليس لأنه كائن متحول ، بل أن خاصيته الإنسيابية ونعومة ملمسه الذي يساعده على سرعة الحركة والمناورة تستوجب ذلك الإنسلاخ الطبيعي لتجديد جلدته التي يتنفس منها ، فكيف بالإنسان الذي منحه الله عقلا وفكرا يستوجب عليه أن يسلخ عن قشرة عقله كل الرواسب الضارة والأفكار المتوحدة والهواجس المخيفة ، وعليه أن يفتح نافذته للشمس الجديدة ، والهواء المتجدد كي يدخل الأوكسجين الجديد نحو رئتيه ، وبالتالي تتدفق دماء جديدة ، تساعده على المزيد من الإبتكار الفكري ، والخروج من الأنماط الحياتية التي تمحورت هي حوله أو العكس ، والدولة هنا ككينونة تجمع البشر ويتحكم بها البشر عليها أن تتجدد وتسلخ جلدها البالي كلما أمكن .
الدولة الأردنية هي ناتج أفعال وخطط واستراتيجيات وسياسات وضعها ونفذها مسؤولو الدولة خلال مراحلها العمرية ، وفي الفترة الاخيرة بانت شوائب كثيرة أدت الى توقف او تباطؤ عجلة الانتاج السياسي والفكري وحتى الاقتصادي واذا كان هناك انسان واحد فقط في مطبخ الدولة من يعي نظرية التجديد ، فعليه أن يطرح نظرية جديدة وهي «الثورة البيضاء» داخل المؤسسة الرسمية لتتواكب مع التعديلات الدستورية والسعي نحو مجلس نيابي جديد وحكومات وطنية القرار ، يرأسها مبتكرّ لا مُكررّ على جدول التعاقبية الحكومية النمطية.
باختصار عليكم أن تقلبوا المجن على منهجية الدولة بكل تفاصيلها ، والتخلص من كل الأدوات القديمة التي قد تكون لازمة في الزمن السابق ولكنها حتما لم تعد لازمة ولا مقبولة في الزمن الجديد ، فكل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والعلاقات الدولية تغيرت ، واستوجب التغيير الطوعي والسريع ابتداء من العام الجديد ، لا ترفا ولا خضوعا ولا مغالبة من طرف ضد آخر ، ولكن حفاظا على استمرارية وبقاء الدولة ، في عصر صراع البقاء السياسي في هذا العالم الجارف .
اذا أردنا دخول عصر ما بعد الربيع العربي ، فعلا، فعلينا إستحضار مسبباته ، والتخلص من التركة المهترئة لماكينة الحكم المستعملة سابقا ، والعمل وكأننا في العام ٢٠٢٣ لا في عام ٢٠١٣ فالتفكير يسبق العمل واستنتاج النتائج قد يكون حاضرا قبل الشروع بأي مشروع يديره الأذكياء ، فكيف بنا وقد مرت علينا كل المدارس السياسية. وأساتذتها الذين لم يتوقعوا أزمتنا الحالية منذ عقد مضى او نصفه على الاقل ، والنتيجة كما نراها اليوم ، رأس بلا جسد ؟
بصراحة إن دخلنا الى التاريخ الجديد والهرولة الى مجلس نواب جديد وحكومة جديدة بذات الشخصيات و الآليات القديمة البالية ، فلا بنا ولا بدخولنا ، سنعيد التموضع وسط الكوة التي نكافح للخروج منها ، وستتعقد الأزمة التي لاح ضوء انفراجها ، ولن يتغير شيء إن لم تتغير العقلية وانسلخ جلد التمساح عن العقول المتحكمة بوضع شروط استسلامية لدخول العصر الجديد .
باختصار لم يعد هناك أي وقت ولا مساحة للمراهنة على عقد وعصر جديد وولادة دولة فتية جديدة تستطيع المكافحة للبقاء بين محيط تغير تماماً وأسس تبادل سياسي ونقدي وأمني تغيرت شروطها مع أجيال حكم جديدة حولنا ، ان بقينا هكذا ، فحالنا أشبه بمن يشتري سيارة فارهة طراز ٢٠١٣. ويضع لها محرك طراز ١٩٦٠ ، حينها سيعتمد يوميا على خدمة التصليح على مدار الساعة ولن ينفعه الشكل الساحر .