المطرُ ليس ماءً وبللا وشجرا يغتسل وشوارعَ تغرق. المطر خيرٌ وخبرٌ قد تصدق فيه الأرصاد الجوية وقد تكذب، وحتى لا نظلمها، نقول قد تخطئ، لكن المطر حين يأتي، لا يخطئ زيارة كل ما على الأرض من شجر وحجر وفقير وغني وحدائق وصحارٍ وبحارٍ ممتلئة بالماء.. انه نقطة عدل من الخالق العادل.
المطر قد يُغرق لكنه لا يُفرق بين أرض جدباء وأرض خصبة. الخصب نعمة مقدرة، قدر محتوم، وفي الطرف الآخر، القاحل، ثمة نعمة اخرى قد تكون مخبأة لزمن غير الزمن وناس غير الناس.
المطر فرح، اغتسال الروح والجسد، زفير السماء وشهيق الارض. ماء كان ماءًا تبخر. سما فوق مستوى الأرض والبشر. سكن الغيم حقولاً بيضاء وسمراء ورمادية في السماء. عانقته الريح، حيث تروح يروح. وحين تتعب يتأهب للهبوط الى حيث أتى اول مرة،اول قطرة. ينزل زخات زخات لكأنها درجات سلمّ سماوي،حبات لؤلؤ متساوية في اللون والحجم و الرائحة. منها واليها، وفيها ينبت أعشاب وفاكهة وخضار وأعناب.شجر فثمر فخشب فنار تدفىء الكون حتى موسم المطر القادم.
فيها ما يكفيها هذه الارض لكن عين البشر أصبحت فارغة وأياديهم ممدودة، بعضها للسرقة وبعضها لتسول حبة قمح أنبتها المطر بغير حساب. زادت السرقات وأصبح اللصوص باكوات وباشوات يملكون ما على الأرض ولو استطاعوا لسرقوا حبات المطر وباعوها للفقراء.
الفقير كان للمطر رفيقَ درب. قصة حب بين المحراث والأرض. ود غير مغشوش بين رائحة العرق الفلاحي وتراب الأرض. لكأنه يلقّحها وينتظرها، وكلاهما ينتظر الغيمات الحبلى حين تضع حملها.. زخات زخات كأطفال وفراشات وحكايات..
ما اكثر حكايات المطر زمان.. الشتاء فصل متلازمة البرد والدفء. النار والكستناء .»كانون» الحطب وحبات البطاطا،كستناء الفقراء ، تشوى في الرماد الذي لم يغادر امه النار. أصابع الصغار تلتقطها ولا تلتسع بها. حرارة الفرح أقوى من لهيب النار.
ابريق الشاي يرقد في الطرف الآخر من «الكانون». يسخن على مهل، يغلي على مزاجه مع طعم الدفء. كاسات الشاي تسخن. الساهرون ينتظرون، وموسيقى المطر في الخارج تعزف لحن الشتاء..
ما أجملَ الشتاءَ زمان؛ كان ثمة ماءٌ وأرضٌ وعشبٌ وفقراء اغنياء وكبرياء.