دعوة د. مروان المعشّر إلى ميثاق وطني جديد (في مقالته الأخيرة في "الغد") ليست مفاجئة أو جديدة على الأوساط السياسية الأردنية، بل سبقتها آراء مشابهة تتحدث عن أهمية "تجديد العقد الاجتماعي"، وهي الهاجس الثاوي وراء إصرارنا في لجنة الحوار الوطني على إعداد ورقة مرجعية لمبادئ الإصلاح المطلوب، للإجابة عن تساؤلات رئيسة في تحديد: ماذا نريد نحن الأردنيين من الدولة؟ ماذا نتوقع منها؟ وماذا تتوقع منا؛ على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟.
بعض السياسيين يحتجّ على الطرح السابق بأنّ العقد الاجتماعي هو الدستور؛ فهو الوثيقة التي تحدّد صيغة العلاقة بين الدولة والمواطنين، وهو المرجعية العليا للقوانين والأنظمة والقضاء. وهذا بالتأكيد صحيح، لكن الدستور يضع الخطوط العامة التي تصلح لكثير من الدول ونماذج الحكم، فيما نحن نحتاج –وطنياً- (تحت مظلة الدستور) إلى توافق آخر يقوم بين ممثلين عن شرائح اجتماعية واسعة، على كثير من القضايا المهمة في حياتنا ومجتمعنا.
يتجاوز د. عدنان أبو عودة دعوة المعشّر، إذ يرى أنّ ما نمر به اليوم شبيه بما حدث في الخمسينيات عندما واجه الملك الراحل الحسين القوى القومية واليسارية والضباط الأحرار، وكذلك ما قبل أحداث العام 1970، إذ كانت هنالك حالة من الفوضى السياسية والانفلات الأمني وأجواء من "عدم اليقين" بشأن المستقبل، فقام الملك بعملية انقلاب على المنظمات الفلسطينية، واستعاد الدولة وأنقذها، وساعده على ذلك وجود فريق سياسي قوي وصلب إلى جواره.
وفقاً لهذه القراءة، فإنّ خصم الدولة كان خلال تلك الفترة بادياً للعيان، يمكن تعريفه بسهولة. لكن اليوم المسألة أكثر تعقيداً وصعوبة، إذ إنّ الخصم يتغلغل في أحشاء الدولة نفسها، بعد أن تجذّرت فيها العقلية المعارضة للإصلاح، والطبقة التي تخشى من خسارة امتيازاتها وصلاحياتها، ما يقتضي عملية جراحية أكبر من مجرد كتابة ميثاق وطني جديد!
على أيّ حال، يذهب أبو عودة إلى مدىً أبعد مما طرحه المعشّر لتوصيف الحل المطلوب (لا مجال لطرحه هنا). لكن من الممكن أن يكون الميثاق أو العقد الاجتماعي الجديد بمثابة حجر الأساس لبناء مرحلة جديدة، وهو ما كنّا نفكّر فيه عندما كتبنا الورقة المرجعية للجنة الحوار الوطني، لكنّها لقيت مصير الميثاق الوطني نفسه، والأجندة الوطنية!
ربما الانتقاد الذي وجهه الكاتب ناهض حتّر (في "العرب اليوم") يصلح لأن يكون مكمّلاً لفكرة الميثاق لا نقيضاً لها. فالوثيقة (- التوافق) لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار قضايا سياسية واقتصادية وثقافية، وحتى التعليم والتنمية. ولعلّ في مقدمة ذلك تنمية المحافظات وخلق بيئة استثمارية واقتصادية وبنية تحتية وخدماتية قوية لتعزيز فرص نمو القطاع الخاص، ما يوفّر فرص عمل ويعيد تشكيل صيغة العلاقة بين الدولة والمواطنين بعد الانتقال إلى القطاع الخاص، بدلاً من الاعتماد على القطاع العام الذي بات عاجزاً عن القيام بهذه المهمة، وما يترتب على ذلك من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية تؤسس لمفهوم جديد لفهم العلاقة مع الدولة.
يحتاج المواطنون إلى الخروج من حالة "عدم اليقين" واستعادة الثقة بمستقبلهم. وهي قضية تتجاوز فقط جدلية العلاقة مع جماعة الإخوان، أو الاختلاف على قانون الانتخاب، لأنّها أكثر عمقاً؛ إنّها تطرح السؤال: ماذا نريد؟ ما هي الدولة؛ مدنية، مواطنة، عشائرية، وما السبيل إلى ذلك؟ ماذا عن التعليم الجامعي؛ كيف ننقذه؟ تنمية المحافظات؛ ما السبيل؟ سؤال المواطنة والخروج من أزمة الاجتماع السياسي؛ كيف؟..
اليوم الأنظمة حولنا تتهاوى؛ المجتمعات تتناحر؛ نحن بحاجة إلى تفكير عقلاني وطني عميق يضعنا على المسار الآمن في الإصلاح والتجديد، لا الانكفاء والتجاذب وتبادل الاتهامات!
بعض السياسيين يحتجّ على الطرح السابق بأنّ العقد الاجتماعي هو الدستور؛ فهو الوثيقة التي تحدّد صيغة العلاقة بين الدولة والمواطنين، وهو المرجعية العليا للقوانين والأنظمة والقضاء. وهذا بالتأكيد صحيح، لكن الدستور يضع الخطوط العامة التي تصلح لكثير من الدول ونماذج الحكم، فيما نحن نحتاج –وطنياً- (تحت مظلة الدستور) إلى توافق آخر يقوم بين ممثلين عن شرائح اجتماعية واسعة، على كثير من القضايا المهمة في حياتنا ومجتمعنا.
يتجاوز د. عدنان أبو عودة دعوة المعشّر، إذ يرى أنّ ما نمر به اليوم شبيه بما حدث في الخمسينيات عندما واجه الملك الراحل الحسين القوى القومية واليسارية والضباط الأحرار، وكذلك ما قبل أحداث العام 1970، إذ كانت هنالك حالة من الفوضى السياسية والانفلات الأمني وأجواء من "عدم اليقين" بشأن المستقبل، فقام الملك بعملية انقلاب على المنظمات الفلسطينية، واستعاد الدولة وأنقذها، وساعده على ذلك وجود فريق سياسي قوي وصلب إلى جواره.
وفقاً لهذه القراءة، فإنّ خصم الدولة كان خلال تلك الفترة بادياً للعيان، يمكن تعريفه بسهولة. لكن اليوم المسألة أكثر تعقيداً وصعوبة، إذ إنّ الخصم يتغلغل في أحشاء الدولة نفسها، بعد أن تجذّرت فيها العقلية المعارضة للإصلاح، والطبقة التي تخشى من خسارة امتيازاتها وصلاحياتها، ما يقتضي عملية جراحية أكبر من مجرد كتابة ميثاق وطني جديد!
على أيّ حال، يذهب أبو عودة إلى مدىً أبعد مما طرحه المعشّر لتوصيف الحل المطلوب (لا مجال لطرحه هنا). لكن من الممكن أن يكون الميثاق أو العقد الاجتماعي الجديد بمثابة حجر الأساس لبناء مرحلة جديدة، وهو ما كنّا نفكّر فيه عندما كتبنا الورقة المرجعية للجنة الحوار الوطني، لكنّها لقيت مصير الميثاق الوطني نفسه، والأجندة الوطنية!
ربما الانتقاد الذي وجهه الكاتب ناهض حتّر (في "العرب اليوم") يصلح لأن يكون مكمّلاً لفكرة الميثاق لا نقيضاً لها. فالوثيقة (- التوافق) لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار قضايا سياسية واقتصادية وثقافية، وحتى التعليم والتنمية. ولعلّ في مقدمة ذلك تنمية المحافظات وخلق بيئة استثمارية واقتصادية وبنية تحتية وخدماتية قوية لتعزيز فرص نمو القطاع الخاص، ما يوفّر فرص عمل ويعيد تشكيل صيغة العلاقة بين الدولة والمواطنين بعد الانتقال إلى القطاع الخاص، بدلاً من الاعتماد على القطاع العام الذي بات عاجزاً عن القيام بهذه المهمة، وما يترتب على ذلك من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية تؤسس لمفهوم جديد لفهم العلاقة مع الدولة.
يحتاج المواطنون إلى الخروج من حالة "عدم اليقين" واستعادة الثقة بمستقبلهم. وهي قضية تتجاوز فقط جدلية العلاقة مع جماعة الإخوان، أو الاختلاف على قانون الانتخاب، لأنّها أكثر عمقاً؛ إنّها تطرح السؤال: ماذا نريد؟ ما هي الدولة؛ مدنية، مواطنة، عشائرية، وما السبيل إلى ذلك؟ ماذا عن التعليم الجامعي؛ كيف ننقذه؟ تنمية المحافظات؛ ما السبيل؟ سؤال المواطنة والخروج من أزمة الاجتماع السياسي؛ كيف؟..
اليوم الأنظمة حولنا تتهاوى؛ المجتمعات تتناحر؛ نحن بحاجة إلى تفكير عقلاني وطني عميق يضعنا على المسار الآمن في الإصلاح والتجديد، لا الانكفاء والتجاذب وتبادل الاتهامات!