لا تنتهي الحروب أبدا ، وتستغرق التاريخ ، وأيا كانت أقنعتها المذهبية والأيديولوجية فهي في الأساس حروب على الموارد والأسواق بين الأقليات المالية والجماعات السائدة.
مقابل هذه الصورة العامة للحروب، فقد أظهرت القرون الأخيرة مصادفة مفهومة، حيث يبدأ كل قرن منها عقوده الأولى بحرب ذات بعد إقليمي ـ دولي ـ محورة المورد المهم أو الصاعد في حينها ..
فمن الصراع على الحرير (المصادر والطرق والموانئ) إلى الصراع على القطن بعد انفجار الثورة الرأسمالية الصناعية في أوروبا، إلى الصراع على النفط في مطلع القرن العشرين، إلى الصراع على الغاز في مطلع القرن الحالي.
وفي كل ذلك فإن البلقان والشرق العربي شكلا الجغرافيا السياسية الدولية لهذا الصراع، وانتبه المستعمرون لأهمية إثارة الاحتقانات والنزعات الطائفية لضرب النزعات القومية ومنع سكان هذه المناطق من بناء أمم شريكة.
وليس بلا معنى انفجار أول أزمة لبنانية طائفيا على خلفية الصراع على »الحرير« وانفجار أزمة مصرية مماثلة على خلفية الصراع الدولي على القطن المصري، ثم تزامن انتشار الوهابية مع اكتشاف النفط، وإعادة إنتاج هذه الظاهرة مع اكتشاف الغاز على امتداد الساحل السوري ..
وفيما يخص سورية والبلقان، وموقعهما في كل ما سبق وفي اللحظة الحالية تحديدا، يلاحظ أن أول تدخل استعماري فيهما ترافق مع الصراع على الصين على طريق الحرير، ثم ضرب مشروع محمد علي لتوحيد مصر وبلاد الشام وتهديد تركيا بدعم روسي ثم تبديد الحقبة القطنية المصرية في عهد اسماعيل باشا ... وكانت رائحة أنابيب النفط وخطوطه مع روسيا وتركيا عبر سورية والعراق، وراء أول انقلابات عسكرية عربية »بكر صدقي في العراق وحسني الزعيم في سورية« ..
وما تشهده المنطقة اليوم خاصة سورية يؤشر على أن هذا القرن يتجه نحو مناخات حرب إقليمية - دولية كما القرون السابقة، أما العنوان العام لها فهو الغاز الذي تتضاعف أهميته مع الأزمة الرأسمالية وصعود دولة الغاز »روسيا« وصديقتها التاريخية »سورية« بعد اكتشاف احتياطي ضخم على سواحلها
وكما كانت حرب تموز عدوانا إسرائيليا على حصة لبنان من هذا الغاز (أحبطها حزب الله) وكما كانت حرب غزة بعدها حرب غاز أيضا، فان ما تشهده سورية الحلقة الأخطر فيها ، فلا خطف الجنود الصهاينة سبب العدوان الصهيوني على لبنان ولا»الديمقراطية المنشودة« سبب العدوان الأطلسي - الرجعي على سورية، فآخر ما يهم الإمبرياليين وجماعات القرون الوسطى الديمقراطية وحقوق الإنسان.