اخبار البلد_ رصد وفاء الزاغة _ الهدف.. ولكن لتنفيذ كل ذلك، يجب وضع سيناريو. وفي الحقيقة لم ينتبه أحد أن هذا السيناريو كان مكتوباً،.
، وأنه نشر ضمن كتاب أيضاً في منتصف العشر الأول من هذا القرن (خلال 2004– 2005)، حيث أطلق الأمريكيون تحت إشراف CIA سلسلة كبيرة من الدراسات المستقبلية.. وماذا كان هدف هذه الدراسات؟ إنه ما سماه مؤسس هذا الفكر عالم السياسة الفرنسي برتراند دو جوفونيل: المستقبل المرعب (فوتوريبل
يقول ......
ندرس الأخصائيين.. نجعلهم يتحاورون، من خلال سلسلة من المؤتمرات، نرسم سيناريوهات للمستقبل، ومن بين السيناريوهات التي أعجبت الأمريكيين، كان هناك: سيناريو بلقنة الشرق الأوسط، وسيناريو يخصنا في أوروبا وهو صعود القوة الأوربية -الآسيوية ( أورو– آسيا)، والذي سيسمح لنا بأخذ موقع القوة العظمى الأولى بدلاً من أمريكا، وهناك السيناريو الإسلامي المسمى "الخليفة الجديد".
قام الأمريكيون بدراسة النتائج، ماذا يفعلون بهذه السيناريوهات، يجب أن لا ينتظروا أن يتم تحقيقها، ويجب أن يأخذوا دروساً منها، وعليهم القيام بفعل أو تصرف معين. ببساطة يجب منع نشوء قوة أوروبية-آسيوية، ومن جهة أخرى يجب منع نشوء دولة إسلامية متطرفة. وبالتالي كان الحل هو الشرق الأوسط الكبير، أي من جهة لدينا سلسلة من الدول الميكروية، ونقوم بزعزعة استقرار المنطقة دائماً من خلال البلقنة، هذه الزعزعة تصل حتى إلى أوروبا وبطريقتين:
من جهة على السفح الجنوبي لأوروبا (في القوقاز والبلقان) ستظهر ثورات إسلامية وتتطور مما سيزعج روسيا وكذلك الاتحاد الأوروبي، كما سيحصل اضطرابات في منطقة المخزون النفطي الذي يزود أوروبا، وعبر الزمن سيقحم الاتحاد الأوروبي في العدوان على البلدان العربية أي سيتم استخدام الألعوبات الأوروبية (الأطلسيين) في الاعتداء على من يجب أن يكونوا حلفاءنا المفضلين..
إن الطريقة العامة تقوم على تنظيم اضطرابات في البلدان وزعزعة استقرار الأنظمة بغضّ النظر عن كون هذه البلدان معادية لأمريكا مثل ليبيا أو حليفة لها مثل مصر وتونس. ويرغب الأمريكيون رؤية قوتين تظهران في هذه البلدان، من جهة مؤسسة عسكرية حليفة لأمريكا (وهي موجودة مسبقاً في تونس ومصر، وسيتم إحضارها في ليبيا) وبمواجهة هذه المؤسسة يرغب الأمريكيون رؤية صعود ووصول الإسلاميين متمثلين بالإخوان المسلمين، الذين هم حلفاء تقليديين للأمريكيين (منذ 30– 40 عاماً)، وسيتم تقاسم السلطة بين الحركات الإٍسلامية كالإخوان، الذين سيسيطرون على المجالس النيابية، ولكي يبقوا في السلطة عليهم أن يتعاونوا مع المؤسسة العسكرية التي تسيطر على الجيش والاقتصاد.
ي مصر، ما يزال المجلس العسكري بقيادة ماريشال، وهو الذي جاء بديلاً عن الفريق مبارك، أي إن الجيش هو الذي يسيطر، ومن يحضر نفسه لكسب الانتخابات هو حزب الإخوان المسلمين، بتوافق مع الجيش، وما حدث في تونس، إنه نفس الأمر، إن الجيش الذي كان خلف بن علي هو الذي يحكم في الظل، ومن سيربح الانتخابات هو النسخة التونسية من حزب الإخوان المسلمين وهو حزب النهضة. إنه السيناريو نفسه الذي يحاول الأمريكيون تنفيذه في سورية، وبواسطة الإخوان المسلمين. وبرأيي إن الهدف القادم لهم سيكون الجزائر.
في الحقيقة وجد الأمريكيون أنفسهم أنهم خسروا الوقت. فأمريكا تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، وهي الآن قوة اقتصادية من المستوى الثاني، ولم يعد لديهم القدرة على تأمين الهيمنة العسكرية، لذلك فهم مستعجلون لأن الوقت لا يلعب في مصلحتهم، ويرغبون بتنظيم زعزعة استقرار منطقة أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. يعرف الأمريكيون أيضاً أن طريقتهم المتبعة في الثورات الملونة في أوروبا الشرقية معروفة جيداً من الأنظمة التي يهاجمونها. إن الأنظمة العربية لا تتبع النهج الأوروبي.
من هو مخترع البلقنة؟
إنه الكاردينال الفرنسي دو ريش ليو. حيث تم تطبيقه على ألمانيا في القرن السابع عشر عندما تدخلت فرنسا (الإمبراطورية العظمى في حينه) في الشؤون الألمانية. وبما أنهم لم يتمكنوا من الهيمنة والسيطرة على ألمانيا عسكرياً، فقد نظم الفرنسيون البلقنة حيث تم تقسيم ألمانيا إلى 700 دويلة ميكروية (حرب الثلاثين عاماً، والتي انتهت بمعاهدة ويسفاني). إنني أدخل في هذا التفصيل، لأن النموذج السياسي والقدوة لكيسنجر (الذي هو معلم بريجنسكي الذي كان معاونه) هو الكاردينال دو ريش ليو.. ينتمي هؤلاء الناس إلى المدرسة الجيوسياسية الأمريكية، وينتمون أيضاً إلى مدرسة أمريكية نسميها المدرسة الميكيافيلية الجديدة. وعلينا أن نفهم الطريقة التي يتعاطى فيها هؤلاء بالسياسة: إنهم لا يتعاملون مع المشاعر والأخلاق وغيرها.. إنهم يؤمنون بعلاقات القوة والمصالح بين الدول نه يهدف إلى إقامة منطقة جيوسياسية واسعة وتحت السيطرة الأمريكية مع أكبر عدد ممكن من الدويلات الميكروية، طائفية أو مذهبية إذا أمكن.
رمز الصناعة الأتبورية هو شعارهم: رمز القبضة، الذي يذكر برموز بعض الحركات الفاشية في الثلاثينيات.. وعلم أتبور أيضاً مشابه تماماً لعلم الفاشية (قبضة بيضاء على خلفية سوداء)
وتحول ما سموه بالثورة السلمية (لأن أتبور تدّعي الثورات السلميّة) إلى اضطرابات ومهاجمة الشرطة واحتلال البرلمان الصربي، ومهاجمة وسلب مكاتب الحزب الاشتراكي الصربي (SPS) ثم تحولت أتبور بمساعدة تمويل أمريكي ضخم جداً إلى حركة عالمية نظّمت في بلغراد (صربيا) المدرسة العالمية كانفاس.
كانفاس هي إحدى أهم المدارس التي تعلم فيها حركة أتبور للمتدربين طرق زعزعة استقرار الأنظمة، ومنذ عام 2009 يتم تنظيم المناهج فيها باللغة العربية.
صنع مستقبل العالم، ولعل إحدى أخطر الأدوات السلبية هي ما يسمى الأتبوريين
أي أن هناك مجموعة مؤسسات غير حكومية (NGOs) ولكنها في الحقيقة مؤسسات حكومية أمريكية متخفيّة تتغطّى بشعارات الديمقراطية وتقوم بتأمين تمويل حركات المعارضة في البلدان التي يريد الأمريكان مهاجمتها. ويقف وراء هذه المنظومة، منظمة عالمية تدعى أتبور (أي المقاومة باللغة الصربية).. وهي المجموعة الأولى التي نفّذت انقلاباً أو ثورة ملونة بتمويل أمريكي، وهم الذين نظموا الانقلاب على الرئيس ميلوزوفيش في العام 2000..
ترجمة الدكتور نادر الكوسا