تثير زيارة وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إلى الأردن، تساؤلات ومخاوف مشروعة من الضغط الأمريكي لتوريط الأردن في شكل من أشكال التدخل العسكري في سورية.
فزيارة بانيتا تنبئ باقتراب المعركة في سورية من لحظة الحسم، على الأقل كما تعتقد واشنطن، وبالتالي التأكد من جاهزية التحضيرات اللوجستية، والعسكرية للتسريع بسقوط النظام والسيطرة على مرحلة ما بعد الانهيار.
فوفقاً لدبلوماسيين غربيين في المنطقة، بالإضافة إلى دراسات مراكز بحثية أمريكية وبريطانية، فإن الأردن سيكون منطلقاً لعمليات توصف بالمحدودة، بهدف السيطرة على مراكز الأسلحة الكيميائية في حالة انهيار النظام السوري.
العمليات المحدودة لا تعني أنها عمليات صغيرة ، إذ أنها تعني السيطرة الغربية على المقدرات العسكرية السورية وبالتالي على البلد نفسها.
طبعاً، هذا السيناريو، الأكثر رجوحاً في الدوائر الغربية، يعكس تقديراً، أمريكياً على وجه الخصوص، بأن خيار الحرب الشاملة ، جوياً وأرضياً، كالحرب على العراق، ليس عملياً، ومحفوفا بالمخاطر خاصة إذا اختارت دمشق الرد بالأسلحة الكيماوية.
فوفقا لدراسات مراكز أبحاث أمريكية، أكثرها مؤيدة لإسرائيل، فإن القصف الجوي أو الغزو الأرضي، يتطلبان معلومات استخبارية دقيقة تتيح للقوات الغربية، شل شبكة الصواريخ السورية، ومنعها من استخدام ترسانتها الدفاعية، ومن اللجوء إلى الأسلحة الكيميائية.
غزو العراق ، لم يكن ممكناً، من دون إضعاف البلد العربي، بعد أكثر من عقد من الحصار الاقتصادي الخانق، ومن فرض حظر على بيع أو تهريب الأسلحة إلى العراق، عدا عن التضييق على برنامج بغداد النووي، والذي دفع القادة العراقيين، كما علمنا بعد الاحتلال الأمريكي، إلى تدمير المفاعلات النووية، في محاولة فاشلة لدرء ووقف الحرب على بلاد ما بين النهرين.
كما اختلف الوضع في أن الجيش الأمريكي، كما تقول دراسة شارك قادته في ضعها، ان الالتزام بحرب شاملة في أكثر من منطقة في العالم، فسورية ليست ليبيا، لحساسية موقعها الجغرافي، وتحالفها مع إيران، ودعم موسكو القوي للنظام، فروسيا لا تريد أن تخسر نفوذها في المنطقة.
الدراسات والتقييمات، كلها تتحدث عن إعطاء أولوية لسبل منع وقوع الصواريخ في أيدي مجموعات معادية للغرب وإسرائيل، سواء من أنصار النظام أو من معارضيه، والتأكد من عدم تهريب صواريخ أو حتى دخول جماعات مسلحة مناوئة للغرب إلى الأردن.
إذ أن الغرب، لا يستطيع الاستغناء عن الأردن سواء عن دوره كنقطة انطلاق للعمليات، أو حتى توقع مشاركته الفعلية بها، أو لاحتواء التداعيات المتوقعة إما من سقوط النظام أو من شيوع الفوضى في سورية على المنطقة خاصة على إسرائيل.
ذلك لا يعني أن إسرائيل مرتاحة للنظام السوري، لكن من الواضح أن أمريكا وبريطانيا، وبعض الاستراتيجيين الإسرائيليين، لا يثقون بماهية مستقبل سورية بعد سقوط النظام.
اللافت للنظر في التحليلات الغربية، غياب الثقة في بعض أطراف المعارضة السورية القريبة من واشنطن، والتشكيك بقدرتها على قيادة مرحلة جديدة، لا تشكل تحدياً للغرب وإسرائيل، خاصة ان العداء لإسرائيل هو جزء من الثقافة السياسية للشعب السوري، بغض النظر عن المواقف المتباينة من النظام.
بانيتا يأتي إلى الأردن، وفي جعبته طلبات محددة، لتنفيذ السيناريوهات الأمريكية المعلنة وغير المعلنة - غير معني كثيراً بمعنى توريط النظام والبلد في التدخل العسكري في سورية.
المخيف، أن واشنطن تستغل أزمة الأردن الاقتصادية ، كعادتها مع دول العالم ألأضعف، للحصول على كل حاجاتها.
لذا يحق لنا أن نسأل الحكومة، والأوساط الرسمية، عن الشروط التي وضعتها واشنطن لتزويد الأردن بمبلغ المائة مليون دولار، وعن الشروط غير الاقتصادية، التي بموجبها أعطت واشنطن الضوء الأخضر لصندوق النقد الدولي للموافقة على اتفاقية القرض الجديد الذي وقِع الأسبوع الماضي في عمان؟
ولماذا نخدع أنفسنا بقول من قبيل إن عمليات محدودة لا تعني التورط العسكري والسياسي الكامل؟
المسألة لا تختصر في تأييد أو معارضة النظام السوري، الذي أعارضه شخصياً، بل المسألة تكمن في جر الأردن إلى أجندة أمريكية – بريطانية تحكم سيطرة الغرب على المنطقة، وتفاقم من التوتر الداخلي الأردني ومن انكشاف أمن الأردن الوطني أمام المصالح الغربية.
فالمسألة في الأردن، في داخل الحراك الشعبي وخارجه، ليست مسألة تغيير اجتماعي نحو سيادة القانون والعدالة، بل تتعدى ذلك، إلى التحرر الوطني من التبعية.