العاصفة التي أثارها قرار الرئيس المصري محمد مرسي بالغاء قرار حل مجلس الشعب، لن تنتهي بانقلاب عسكري يطيح بالرئيس، ولا بقرار صادر عن مرسي بحل المجلس العسكري وذلك لعدة أسباب.
ويأتي في المقدمة منها ذلك الموقف الواضح الذي اتخذته الإدارة الأميركية منذ اللحظة الاولى لهبوب العاصفة. ومن الملاحظ أن الموقف الأميركي بمجمله تركز على مسألة تشجيع ممارسة الاختلاف الديمقراطي بالذخيرة الحية من المواقف والاصطفافات، بعيدا عن الذخيرة الحربية المتوفرة أساسا لدى العسكر. وظهر الموقف الاميركي بأوضح تجلياته حين انعقد مجلس الأمن القومي الأميركي ليعلن تأييده للتحول الديمقراطي في مصر، وانحيازه لمخرجات العملية الانتخابية، والاحتكام الى الدستور والقانون في إنهاء الأزمة التي فجرها قرار مرسي بإلغاء قرار حل مجلس الشعب.
ومن يتمعن في الاتجاه الذي اخذته الأزمة بعد الموقف الأميركي يلحظ كيف بدأت وتيرتها في التراجع الى خانة الجدل القانوني، والغياب الكامل لتصريحات المجلس العسكري وتسريباته عبر وسائل الاعلام المحسوبة عليه وعلى قوى المصالح المستفيدة من النظام السابق وقوى الثورة المدنية المناهضة للإسلاميين. ومثل هذه المواجهة المبكرة يبدو أنها لن تكون الأخيرة لكنها ستظل محكومة بسقف العمل السياسي الذي استجد مع انطلاق مشروع التغيير في المنطقة العربية. وباعتبار مصر هي الحلقة الأهم في هذا المشروع فان تكريس الجهد الاميركي لرقابتها وضبط ايقاعها يقدم الفرصة لمن يريد معرفة اتجاه الرياح في المنطقة لاستخلاص الدروس واستنتاج التوجهات الأسلم لعبور المرحلة بأقل الخسائر وأفضل العوائد الممكنة.
ويأتي في مقدمة هذه الدروس، أن مشروع التغيير لن يتوقف وأن الرهان الاميركي على الحركات الاسلامية في المنطقة العربية هو خيار استراتيجي، وأن المواجهة معهم تأتي عبر العمل السياسي القانوني الديمقراطي، وأن دور الجيوش هو منع أي تداعيات تقود الى تهديد الوضع القائم في العلاقات مع الخارج. وفي هذا السياق لن تتوقف الرقابة الأميركية في مصر بالتحديد على دور الجيش في السياسة الداخلية، ولن يجري تشجيع أي عمل عنيف لإقصاء الإسلاميين عن الموقع الذي وصلوا اليه عبر صناديق الاقتراع. وفي المقابل سيجري تشجيع القوى المدنية الليبرالية على تنظيم صفوفها وتصعيد مواجهتها السياسية مع المؤسسة الإسلامية الحاكمة لتحقيق هدفين متكاملين : الأول يتصل بإعادة الهيكلة المطلوبة لمفاهيم العمل لدى الجماعات الاسلامية وجذبها الى دائرة السلطة المدنية المستوعبة لكل الأطياف والتوجهات، بما في ذلك الحريات الشخصية والثقافية وغيرها من المفاهيم غير المبنية على أسس دينية. والثاني مرتبط بفتح الباب للتداول السلمي للسلطة على خلفية نجاح أو فشل البرامج الاقتصادية والاجتماعية وأسلوب إدارة الشأن العام. وبالنظر الى أن الإسلاميين قد تقبلوا التعاطف الأميركي المعلن منذ البداية، فإنهم أول من يعرف أهمية الحفاظ على هذا الدعم خلال المرحلة المقبلة. وبالتالي فإن انضباطهم الذي أظهروه حين تصدت المؤسسة القضائية لقرار الرئيس مرسي بإعادة مجلس الشعب ينتظر له أن يتكرر في المواجهات المقبلة، التي ستظل في إطار المواجهات المدنية بين تيارات تمارس الديمقراطية بالذخيرة السياسية الحية.