أخبار البلد -
ارجوك حدّق في المرآة، اذا كنت ما زلت "شابا” فسترى امامك شبحا اسمه "الاحباط”، اذا كنتِ "صبية” فسترين صورة "الخوف”، اذا كنت زوجا أو أبا ستطالعك خارطة متداخلة الخطوط تشعرك "بالتيه” لكن حين تدقق اكثر ستكتشف بان عنوانها هو "التعب”.. اذا كنتِ زوجة او امّاً فلن تري امامك سوى "بقايا” لوجه حزين يبحث عن "امل”.
ألهذه الدرجة يشعر مجتمعنا بالتعب والخوف والحزن والاحباط؟ اتذكر قبل شهرين انني قلت في ندوة تلفزيونية بان ما يتغلغل داخلنا اسوأ بكثير مما يطفو على السطح، فلدينا نحو مليون شخص يعانون من اضطرابات نفسية ونحو (800) الف شخص "معاق” وعشرات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل..
وقتها اتهمني الرجل الذي كان شريكا لي في الندوة (وهو احد النواب) بأنني اسيء للمجتمع الاردني، حاشا لله، ومن حسن حظي ان الدكتور وليد سرحان، الطبيب النفسي المذكور، اكد قبل ايام ما قلته حرفيا، وزاد عليه الدكتور كامل العجلوني بما لا يخطر على بالي من ارقام مفزعة، فثمة نحو مليون ونصف المليون مواطن يعانون من السكري ونحو مليونين يعانون من التوتر الشرياني وثلاثة ملايين من زيادة الدهون الثلاثية، ونصف الرجال الاردنيين مصابون بالعجز الجنسي..
اذا اضفت الى ذلك ما يحدث الآن في عدد من المحافظات والقرى من "حرائق” اجتماعية، ومن "زفير” ساخن وملتهب احيانا، ومن محاولات "للتنفس” اخذت في الغالب الطابع العنيف، ومن تحولات عميقة جرت على صعيد العلاقة بين المجتمع والدولة، ستكتشف ايضا ان ازمتنا "السياسية” انعكست تماما على المجتمع، وان محاولات تطويقها امنيا لم تنجح بما يكفي، بل ربما ستساهم في امتدادها، الامر الذي يحتاج الى "اطفائيات” سياسية عاجلة، يفترض ان نتعامل معها بمنطق الفهم اولاً، والمعالجة الحكيمة ثانيا، وفي اطار القانون واخلاقياته المتعارف عليها انسانيا ودوليا.
اذا اتفقنا على ان حالة "مجتمعنا” صعبة، وان الدولة تتحمل مسؤولية تشخيصها وعلاجها، فان من واجبنا ان نسأل عن الاسباب التي اوصلتنا الى ذلك، وعن "المسؤولين” عنه، وعن المراجعة الضرورية التي يتوجب ان نذهب اليها، لا في اطار "طيّ الصفحة” وفتح صفحة اخرى على قاعدة "عفى الله عما سلف” ولا على قاعدة "المصالحة” التي تنزل بالبرشوت، وانما على قاعدة الاعتراف بالخطأ اولا، والاعتذار عنه ثانيا، ومحاسبة المسؤولين عنه ثم اجراء ما يلزم –بعد ذلك- من جراحات تضمن لمجتمعنا ان يستعيد عافيته.. وان يستريح بعد سنوات التعب والخوف.. والانتظار.
وصفة الاصلاح السياسي، -على اهميتها- لا تكفي لانجاز "اصلاح المجتمع” ولهذا فنحن بحاجة الى وصفات "اصلاحية” وعملية تبدأ على الفور وتشمل كافة قطاعات المجتمع، التعليم والادارة والاعلام ومؤسسات السياسة والدين والثقافة، وغيرها، ذلك انه لا يمكن لمجتمع ان يستقبل ذبذبات الاصلاح السياسي ما لم تكن "لواقطه” الاجتماعية والثقافية سليمة وجاهزة وداخل التغطية، كما لا يمكن ايضا ان نباشر اي اصلاح شامل الا بأفكار جديدة، ووجوه جديدة واجراءات مقنعة ايضا، فما فعلناه بأنفسنا على مدى السنوات الماضية يحتاج الى مزيد من التعب والعمل والاخلاص.. بل يحتاج الى معجزة.
للاسف، حتى الآن ما نزال نقف على مدرجات "المتفرجين”، بعضنا لا يصدق ما يجري من تحولات في مجتمعنا، وبعضنا لا يريد ان يصدقها، وكل ما نتمناه ان نخرج من دوائر "الانكسار” هذه مهما كانت اسبابها، وان نواجه "حالة” مجتمعنا بما يلزم من اسعافات وادوية "سياسية” ومن استبصار وحكمة، فما نراه ليس "مزحة” ثقيلة الدم كما يصورها البعض، وانما "جدّ” لا هزار فيه!