أخبار البلد -
اخبار البلد
هؤلاء الذين يخرجون للاحتجاج في الشارع منذ عام ونصف العام، مَنْ يمثلون؟ ضمير المجتمع وهواجسه وهمومه ام "صوت” النخب وحساباتها ومصالحها السياسية؟ وهؤلاء الذين "يفصّلون” لنا القانون والمواقف في مجلس النواب مَنْ يمثلون ايضا؟ اصوات الناس التي توجهت الى صناديق الاقتراع ام "متطلبات” الوجاهة ومخرجات النفوذ والمال والحظوة؟ ويمكن ان نضيف لهؤلاء غيرهم وغيرهم وغيرهم.
اذن مَنْ يمثل مَنْ؟ لا يوجد لديّ اجابة حاسمة ودقيقة ولكنني اشعر بعد ان مضى عام ونصف العام على رحلة البحث عن "الاصلاح” اننا امام حالة من "الحيرة” والتيه، وان اتجاه "بوصلتنا” الوطنية تعرض لمحاولات عديدة من التشويش، لدرجة ان السؤال عن "حالة المجتمع” وما جرى له وما تغلغل داخله اصبح مشروعا بل وضروريا، ولو قيّض لأحدنا ان يتصور بان "الاصلاح” تحقق الآن بكبسة زر واحدة وان كافة المطالب الشعبية تم تنفيذها على الفور فان من المتعذر علينا عندئذ ان نطمئن بان مجتمعنا قد استعاد عافيته، لا لأنه غير "ناضج” لاستقبال الاصلاح، ولا لأنه لا يريده، ابدا، ليس هذا هو السبب، وانما لان مجتمعنا تعب اكثر مما يلزم، وتم انهاكه اكثر مما نتوقع، وبالتالي فان الاصلاح –ان حصل- سيمر فوق "انقاض” مجتمع منقسم على ذاته، مجروح في دواخله، حائر في تحديد اولوياته.
من اوصلنا الى هذه الحالة؟ وهل دفع مجتمعنا ثمن "الاصلاح” قبل ان يراه ويلمسه؟ ثم ما قيمة "الاصلاح” اصلا اذا جاء على "انقاض” مجتمع تحوّل الى ملعب يتنافس فيه "اللاعبون” بهذا الشكل البائس، او ان –شئت- الى "رهينة” يتجاذب الصراع عليها نخب هنا ومسؤولون هناك، اطراف تراها في الشارع واخرى مجرد اشباح تتحرك ولا يراها احد؟
اعتقد ان سلامة مجتمعنا اهم بكثير من هذا الذي يجري باسم "الاصلاح” ولو قدّر لي ان افاضل بين الاصلاح –على اهميته- وبين "عافية” المجتمع لاخترت بلا تردد ان نحافظ على سلامة مجتمعنا، وعلى سلمنا الاجتماعي، لانه ببساطة لا يمكن لأي اصلاح ان "يثمر” ويستمر في مجتمع منكسر تسيطر عليه الهواجس والمخاوف وتتصارع فيه الاطراف المختلفة على "هموم” الناس وقضاياهم، ولهذا فانني ادعو قبل الدخول في النقاش السياسي وسجالاته الى التوجه نحو مصالحات وطنية جادة، تنهي حالة الشك والارتياب بين مكونات المجتمع الاجتماعية والسياسية وبين الدول وتضع حدّا لهذا "الشّدّ” غير المفهوم بين النخب الشعبية والرسمية، فلا معنى ابدا للذهاب الى انتخابات نيابية تؤسس لمرحلة انتقالية جديدة "كما نأمل” وسط حالة من "التيه” يعاني منها مجتمعنا، ويمكن لأي عاقل ان يتصور كيف يمكن ان تتجه "اصوات” الناس يوم الاقتراع وهي ما زالت مبحوحة بل وكيف يمكن ان نقنع المواطن بجدوى "التصويت” وهو يعاني من كل هذا التعب والخوف والشك والحيرة.
ان حالة المجتمع ليست اكثر من انعكاس لحالة "النخب” السياسية هذه التي قدّمت حساباتها ومصالحها الضيقة على المصلحة العامة وهموم الناس، وبالتالي فان السؤال الذي طرحناه سلفا حول: مَنْ يمثل مَن؟ ومن يتحدث باسم من؟ ومن يلوم من؟ اصبح ضروريا لترسيم خرائط الاصلاح في بلادنا، وقبل ذلك لتعريف اولوياتها وتحديد "توقيت” ساعتنا الوطنية.
اذا لم نفعل ذلك بسرعة، فان اخشى ما اخشاه ان يشعر الناس بالخيبة تجاهنا جميعا، وان يخرجوا عن كل ما بقي من وصايات تقيدهم احيانا وتضبط حراكهم احيانا اخرى، ليفاجئونا بما لا نتوقعه، وحينئذٍ لا يمكن لأحد ان يلومهم لانهم انتظروا طويلا وتعبوا من الرهان على "النخب” التي تقودهم تارة الى اليمين وتارة الى الشمال.