أخبار البلد -
يطل علينا بين الفينة والأخرى حزب جبهة العمل الاسلامي من خلال بيانات وتصريحات لمسؤوليه تدعو إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني في البلاد بحجة أن ذلك هو الحل الأمثل للخروج من الأزمة السياسية التي نعاني منها في الأردن.
إن تكرار مثل هذا المطلب يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كان فعلا ما نحتاجه في الأردن هو تشكيل حكومة انقاذ وطني أم أنها مجرد شعارات رنانة يطلقها الإسلاميون من دون أدنى وعي بماهيتها وأثرها على النظام السياسي والدستوري في الدولة.
إن حكومة الانقاذ الوطني هي حكومة توافقية يفترض أن تمثل كل أو معظم أطياف النسيج السياسي والاجتماعي الوطني، ويتم تشكيلها بهذه الصفة لتتولى إدارة شؤون البلاد خلال مرحلة انتقالية تتراوح مدتها من ستة أشهر إلى سنة ونصف السنة تقريبا وذلك حسب الظروف التي تمر بها الدولة، حيث تقوم حكومة الانقاذ الوطني خلال هذه المدة بإدارة شؤون الدولة بناء على برنامج وطني توافقي تكون قد تشكلت بناء عليه وبغية تنفيذه.
وتتولى حكومة الانقاذ الوطني مهمة الاشراف على انتخاب جمعية تأسيسية تقوم بوضع دستور جديد للبلاد يتم الاستفتاء الشعبي العام عليه، كما تقوم الجمعية التاسيسية بسن مجموعة من القوانين الناظمة للحقوق والحريات العامة وللحياة الديمقراطية، وعلى رأسها قانون أحزاب وقانون انتخاب عصريان. وبعد ذلك تقوم حكومة الانقاذ الوطني بالإشراف على أول انتخابات برلمانية على أن تقدم استقالتها بعد ذلك لتسلم السلطة للحكومة المنتخبة وللبرلمان المنتخب وفق أحكام الدستور الجديد.
وخلال هذه الفترة، يقوم الجيش بحماية حكومة الانقاذ الوطني حماية كاملة من قوى الشد العكسي ممثلة برجال الأعمال والرأسماليين والبيروقراطيين والأجهزة الأمنية المتضررين من برنامج حكومة الانقاذ الوطني، لكن من دون أن يتدخل الجيش في هذه الحكومة وفي إدارتها للبلاد بأي شكل من أشكال التدخل، على أن يكون نشاطه مندرجا بشكل كلي في دائرة ولايتها المطلقة.
أما عن آلية تشكيل حكومة الانقاذ الوطني فيتم من خلال عقد مؤتمر وطني من قبل القوى المنادية لها والتي تكون غير معنية باستشارة النظام الحاكم أو أخذ رأيه أو موافقته في تشكيلها، بل تكون معنية فقط بتمثيل معظم قوى الشعب في المؤتمر الوطني. ثم يقوم المؤتمرون الذين شكلوا هذه الحكومة بتكليفها فورا بتنفيذ برنامجها المعلن والمحدد، حيث تباشر هذه الحكومة مهامها بالطلب من رئيس الدولة التنازل عن كافة سلطاته الدستورية فيما يتعلق بإدارة شؤون الدولة وإقالة الحكومة التي تكون قائمة لتتولى حكومة الانقاذ الوطني مهامها فورا.
إن أبسط ما يمكن قوله عن حكومة الانقاذ الوطني أنها تعد بمثابة انقلاب ابيض داخلي تقوم من خلاله مجموعة من الشخصيات وتحت ستار الوطنية بأخذ زمام الأمور من الجهة التي تشكل الحكومة دستوريا لتشكل حكومة وفقا لمعيارها الخاص. والسبب في اعتبار هذه الحكومة ثورة بيضاء أنها تقوم على أساس تعطيل نصوص الدستور النافذ فيما يتعلق بآلية تشكيل الحكومة وإلغاء نتيجة الانتخابات وعدم الاعتراف بالإرادة الشعبية في اختيار شخص الحاكم أو الولاء له كما هو الحال في النظام الملكي. فحكومة الانقاذ الوطني قد جاء النص عليها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح للدول التي تعاني من فوضى وإرباك من شأنه أن يؤثر في حالة السلم للدول المجاورة خاصة وللعالم بشكل عام أن تشكل حكومة انقاذ وطني إذا تعذر عليها تشكيل حكومة وفق أحكام الدستور.
وبعد استعراض الأوصاف والمقاييس السابقة، فإنه لن يختلف اثنان على أن حكومة الانقاذ الوطني هي حتما ليست الحل الأمثل لما تشهده الأردن من تقلبات سياسية. فالأزمة التي نواجهها في إصدار قانون انتخاب توافقي، والتباطؤ في محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين والأزمة المالية الحادة التي نعاني منها والتي تفرض على الحكومة زيادة غير مسبوقة في الضرائب لا تكفي بحد ذاتها لإعلان الانقلاب على النظام الدستوري الأردني والخروج عن الأطر الديمقراطية التي شرعها الشعب لنفسه باعتباره مصدر السلطات، والسماح لفئة من الأشخاص أن تدير البلاد بأسلوب فيه تعطيل لنصوص الدستور بحجة إخراجها من عنق الزجاجة.
فهؤلاء الأشخاص وإن كنا لا نشكك بوطنيتهم وانتمائهم ورغبتهم في الصالح العام، إلا أننا نشككك في مقدرتهم على النجاح وفي قدرتهم على تقديم حلول فورية سريعة للمشاكل التي نعاني منها، خاصة في ظل ارتباط الأزمة الأردنية وتحديدا الاقتصادية منها بالمتغيرات والمستجدات الخارجية والتي لا نملك أية سيطرة أو تحكم بها.
أما القول بضرورة تشكيل حكومة انقاذ وطني لوضع دستور جديد للبلاد، فهو قول فيه الكثير من التجني على الدستور الأردني الذي خضعت نصوصه لعملية مراجعة شاملة جعلته أقرب ما يمكن إلى تحقيق التوازن بين السلطات. فمجرد الاختلاف مع الاسلاميين حول موضوعين أو أكثر في الدستور الأردني يتعلقان بآلية اختيار رئيس الوزراء من قبل الملك واستبدالها بحكومة برلمانية وآلية تعيين مجلس الأعيان واستبداله بمجلس أعيان منتخب يجب أن لا يبرر المطالبة بتشكيل حكومة انقاذ وطني لوضع دستور جديد للبلاد.
وحول واقع التشريعات القانونية الناظمة للحقوق والحريات في الأردن والتي يمكن أن يتمسك بها الإسلاميون لتشكيل حكومة انقاذ وطني، فإنه يمكن القول انه وعلى الرغم من أن هذه التشريعات في مجملها لم تصل بعد إلى الدرجة التي تلبي طموح ورغبات الأردنيين على اعتبار أن هنالك العديد من القوانين ذات الصلة بالحقوق والحريات الأساسية تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، إلا أن المتابع للشأن الأردني يجد أن الدولة قد قطعت شوطا طويلا في مجال مراجعة هذه القوانين لصالح تكريس الحقوق التي أقرها الدستور للأردنيين. فحق الاجتماع العام في الأردن لم يعد معلقا على موافقة الحاكم الإداري في قانون الاجتماعات العامة، وحق الانتخاب والترشيح قد اصبحت ممارستهما تحت إشراف ورقابة الهيئة المستقلة للانتخابات، هذا بالإضافة إلى المحكمة الدستورية التي تم إنشاؤها كضمانة قضائية للتصدي لأي تشريع من شأنه المس بحقوق الأردنيين وحرياتهم من خلال إعلان عدم دستوريته وبالتالي إلغاؤه.
الخلاصة إذن أننا في الأردن آخر ما نحن بحاجة إليه هو تشكيل حكومة انقاذ وطني وذلك بسبب عدم توفر الأسباب والمبررات الجدية لها. لذا يفترض بأولئك المطالبين من الإسلاميين بتشكيل حكومة انقاذ وطني أن يمدوا يد العون للنظام الحاكم ولحكومته المشكلة وفق أحكام الدستور لكي نعبر سويا هذه المرحلة الانتقالية، وأن لا يقفوا حجر عثرة في طريق الاصلاح السياسي فتثبت لديهم حسن النية والرغبة الصادقة في العمل تحقيقا للمصلحة العامة .