أخبار البلد -
هل يجوز لرئيس جمهورية مصر أن يحلف اليمن أمام أحد من موظفي الدولة؟ السؤال من وحي المشهد الذي يفترض أن يتم اليوم (السبت) حين يؤدي الرئيس محمد مرسي اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، التي تضم جمعا من القضاة الأجلاء ذوي المرتبة الرفيعة، لا كلام لدي عن مقام الجمعية المذكورة، فهو محفوظ وعلى العين والرأس من حيث المبدأ. واستقلال أعضائها لا ينفي حقيقة أنهم من كبار موظفي الدولة. أما سؤالي فينصب على الملاءمة والمغزى في توجيه الرئيس المنتخب لكي يحلف اليمين أمام أولئك الكبار الموقرين، كما ذكر الإعلان الدستوري الأخير (الصادر في 17/6) ذلك أنني أفهم أن الرئيس المنتخب من الشعب ينبغي أن يحلف اليمين أمام ممثى الشعب، وليس أمام أى سلطة أخرى معينة، حتى إذا كان ممثلوها من أكابر القوم أو أعلى الرتب. ومع كل الاحترام للآخرين، سواء كانوا مجلسا عسكريا أو أعلى أو محكمة دستورية عليا، فان ممثلى الشعب هم في مرتبة أعلا من الاثنين.
حتى أوضح فكرتي فانني أضع بين يديك ثلاث معلومات أحسبها مفيدة في هذا السياق الذي نحن بصدده. المعلومة الأولى ان بعض القانونيين عندنا (وكلهم صاروا فقهاء كما تعلم) أفتوا بإمكانية حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا. وهو ما نص عليه الإعلان الدستوري الأخير، في التعديل الذي أدخله على المادة 30 من إعلان 30 مارس الذي تم الاستفتاء عليه، وذلك قياسا على التجربة الأمريكية في هذا المضمار، حيث يؤدي الرئيس القسم أمام رئيس المحكمة الاتحادية العليا. وإذا تغاضينا عن الخطأ الجسيم المتمثل في إصدار المجلس العسكري من جانبه تعديلا على إعلان إجازته الإرادة الشعبية، فإن فقهاءنا المحترمين نسوا أو تناسوا أن أعضاء المحكمة العليا ورئيسها لا يعينون في مناصبهم إلا بعد تصويت مجلس الشيوخ لصالحهم، بمعنى أن الإرادة الشعية هي التي انتخبتهم وسمحت لهم بتبؤ مناصبهم. الأمر الذي يعني أن القياس على النموذج الأمريكي أغفل جوانب مهمة لم تكن في صالح الحالة المصرية.
المعلومة الثانية ان الأرادة الشعبية في الدول الديمقراطية تمثل خطا أحمر يضفي عليها هالة أقرب إلى القدسية، حتى أن ملكة إنجلترا ــ بجلالة قدرها ــ يمنع عليها الدخول إلى مجلس العموم لأنه بيت الشعب الذي لا ينبغي أن يعلو فيه صوت غير صوت الشعب. في حين أن لها أن تذهب إلى مجلس اللوردات لان الأخيرين ليسوا منتخبين من الشعب، ولكنهم معينون بتوصية من الحكومة. وهي لقطة تبين لك مدى فداحة الجرم الذي تمثل في منع نواب مجلس الشعب في مصر من دخوله بعد إعلان حله، كما تمثل في وضع دبابة أمام باب المجلس، كانت رمزا لتحدي صندوق الانتخاب والحط من قدره.
المعلومة الثالثة لا تخلو من مفارقة، وخلاصتها أن العهد الملكي كان أكثر احتراما لإرادة الشعب من النظام الجمهوري، الذي يفترض أن ترتفع فيه أسهم الإرادة الشعبية إلى عنان السماء. آية ذلك أن دستور عام 1923 نص في مادته رقم 54 على أنه في حالة خلو العرش لأي سبب يتعين اجتماع المجلسين (النواب والشيوخ) لاختيار الملك الجديد. و«إذا كان مجلس النواب منحلا وقت خلو العرش فإنه يعود للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلفه». وهو نص يعتبر شرعية الملك الجديد منقوصة إذا لم تستند إلى إرادة شعبية ممثلة في مجلس النواب.
حين يتأمل المرء هذه المعلومة الأخيرة ويقارنها بمضمون الإعلان الدستوري الأخير ينتابه خليط من مشاعر الاستياء والحزن، خصوصا إذا لاحظ أن «الترزية» الذين صاغوا الإعلان (اعتذر عن استخدام الوصف لكنني لم أجد بديلا عنه) قاموا بتفصيل الإعلان الدستوري على المجلس العسكري، بحيث حولوه إلى كيان مستقل عن الدولة المصرية له مقره القاهرة حقا، لكن لا شأن له بالسلطة الشرعية في مصر، وإنما للأخيرة ان تستأذنه في بعض الأمور المشتركة بحكم علاقات التساكن والجوار.
هؤلاء الترزية الذين بذلوا غاية جهدهم لإعلان استقلال المجلس العسكري وتأكيد مقامه الرفيع، لم يعتنوا حتى بالرمز في الدفاع عن الإرادة الشعبية. ولم يخطر على بالهم ان يستفيدوا من نص دستور 1923 الذي دعا إلى عودة المجلس المنحل (دعك من الرأي القانوني في سبب الحل) لكي يقسم الرئيس الذي انتخبه الشعب أمام برلمان الشعب.
أدري أنها مسألة رمزية وشكلية. ذلك أننا ما كنا نحلم بانتخاب رئيس يوما ما، ولا بأن يتم ذلك بحرية ونزاهة. ولكن أما وقد حدث ذلك، فلماذا نفسد «الطبخة» ونشوه الفرحة بمطالبة الرئيس المنتخب بحلف اليمين أمام جهة غير منتخبة.
ربما بدا اقتراح حلف اليمين في ميدان التحرير بحضور الجميع بمن فيهم أعضاء مجلس الشعب حلا ثوريا، لكنه يصعد المواجهة مع المجلس العسكرى. كما انه ليس يسيرا ان يقسم الرئيس أمام ثلثي أعضاء المجلس فقط، إلا إذا قبلت المحكمة المختصة الطعن في قرار الحل، وأيدت إسقاط عضوية ثلثه فقط. لذلك أجدني أميل إلى رأى المستشار طارق البشري الذي قرر فيه أن حلف اليمين غير لازم لممارسة الرئيس سلطته، إلى أن يأتي الله بفرج من عنده، ويصبح في مصر مجلس للشعب يعزز شرعية الرئيس المنتخب من الشعب. ان تأجيل القسم أفضل من أدائه في المكان الغلط.