كان يشبهني ..قبل ثلاثين عاماً ..يحمل صينيّة فوق رأسه و يدور في الشوارع و الأزقة ..وذات مرة يحمل باكيت العلكة ويطوف من أجل قرش
و قرشين ..وثلاثة ..! ومرّة أخرى يقف على الشارع و يبيع البندورة للرائح و الغادي ولا يشترون إلا كل ألف واحد يقتنع منهم واحد فقط ..
كان يشبهني ..كان يأتيه الشعر على حين غرّة ..يجمّع الجُملة تلو الجملة و يضع في آخر كل واحدة قافية كي يسمّيه شعراً و يطير به إلى أقرب كرتونة ليفرّغه كاملاً عليها..و يكتب في آخرها الشاعر ..!.
كان يشبهني ..لأنه لم يكن يعرف النساء ..ولا دهاءهنّ ولا طيبتهنّ في صنع الأحاييل ..كان يمضي مع ألف أنثى ولا يعرف عن الأنثى إلا شيئاً عيباً في المزاح و عيباً في الاختلاط..!
كان يشبهني ..لأنه ما كان يتقن إلا الجلوس وحيداً لساعات ليبني غداً ..وجاء ألف ( غد ) وصار يتوق لأن يجلس وحيداً ؛ فقط ليفكّر بالأمس ..الذي ما عاد يشبهه الآن ..!
كان يشبهني ..وحينها قرر أن يظل يشبهني حتى النهاية ..و احتفظتُ بصورته طويلاً معي ..كنتُ أُلاحظ كيف يتغيّر ..حتى شعره ما عاد على كرتونه ..و نساؤه ما عدن بعيوب المُزاح و الاختلاط ..بل واجبات المزاح و الاختلاط ..والتي لا تعرف ذلك فلتنسحب فوراً ..!
كان يشبهني ..أحاول أن أبحث عنه .. بل حقيقة أبحث عنه ..ولم أجده ..لأنه تماهى فيّ تماماً وضاعت تفاصيله بتفاصيلي ..يأتيني في الأحلام ..أو كلّما رأيتُ ولداً حافياً وفي عينيه بقايا دموع ..وكلّما رأيتُ أنثى تخاتل طفلاً و تناكفه وهو يأبى المُزاح و الاختلاط ..!
كان يشبهني ..قبل السياسة و النساء..!