اخبار البلد – خاص
استهزء مراقب عام جماعة الاخوان المسلمين السابق سالم فلاحات من اعياد الاستقلال في الوطن
العربي مسمياً اياها "الإحتقلال" و جاء ذلك في مقال
نشرته الزميلة "السبيل" في عددها الصادر صباح اليوم ، حيث وصفه انه احتلال مطعم بالحرية ولكن يحمل
في مضامينه الذل والعبودية للشعوب العربية من قبل المحتل الاجنبي .
وتساءل الفلاحات : هل نحن في بلادنا في احتلال ام استقلال ؟ ، وأيّهما أثبت على الأرض
وأكثر استمرارية .
يشار ان الاردن يحتفل يوم غد الجمعة بعيد استقلاله السادس والستين
نص المقال :
من عبقريات
المستعمرين التي نشأت عند الحاجة، والحاجة أم الاختراع كما يقولون, وبعد أن وجدوا
أنّ جسمهم الغريب بشكله لا يمكن للعرب والمسلمين تقبله، فقد بذلوا كل ما يملكون
وقدّموا التضحيات الجسام لطرده,
وإن كان لا بد من
الخروج والمغادرة فلا بد من البحث عن حالة بين الحالتين، بين الخروج الإجباري من
الأراضي المستعمرة، وبين الاستمرار في نهب ثروات الشعوب والهيمنة الفكرية
والاقتصادية عليها, فتوصلت إلى ما يمكن تسميته (بالاحتقلال).
ما هو الاحتقلال؟
إنّه باختصار الاحتلال المطعّم بالاستقلال نكهة ولونا فقط, وخروج جحافل جيوش
الاستعمار الأشقر المنهكة من ضربات المقاومين وتوظيف وكلاء غير جاهزين وغير مؤهلين
للحكم تتفضّل عليهم بالبقاء والاستمرار والحماية من التقلبات، حتى إذا فكّر بأن
يشبّ عن الطوق هددوه أو استبدلوه عند الضرورة.
الاحتقلال استعمار
ممزوج بالجلاء وحرية ممزوجة بالعبودية، ولكنها عبودية محلية من نوع آخر, وقد حافظ
الغرب على هذه الحالة واتفق مع وكلائه وسمح لهم بما دون ذلك من مظاهر وأعلام
وأناشيد ورايات.
تكون الدولة حرة إذا
امتلكت أمرها واستكملت عناصر قوتها واستغنت عن مستعمرها، فيما تأكل وتلبس وتستخدم
في شؤون حياتها كلها.
المستعمرون، أو
المخربون بتعبير أدق، دهاة خبثاء لأنهم يعلمون إن بقيت وجوههم الكالحة مدججة
بالسلاح فإنّها ستوقظ في الشعوب عزتها وكرامتها، فتتوحد قواها وتنسى ضعفها
وتتفوق على عدوها وتتناسى خلافاتها وتستبين أمرها, فتحرس ثرواتها إلى الأبد, لذا
كان هذا الابتكار الشيطاني الذي يوهم الناس أنّهم طردوا الاستعمار من بلادهم
وتفرّغوا لبنائه بقيادات وطنية، كان معظمها مصنوعا ومزروعا باتفاق ليرعى مصالحها
وامتيازاتها ويتربّع هو ومن يحب على الحكم بلسان عربي وبزي محلي وطني، وإن كان
بعقل غربي.
عشرة أيام مجازا
فقط، فصلت بين الاحتلال والاستقلال في بلادنا في شهر واحد! فهل نحن في احتلال أم
استقلال؟ وأيّهما أثبت على الأرض وأكثر استمرارية؟ ولقد رأينا كيف زرعت بريطانيا
الجسم الصهيوني في بلادنا ورعته حتى اشتدّ عوده وعمق مخالبه في جسدنا ليقفز كل عشر
سنوات على الأكثر قفزة توسعية جديدة، حتى ابتلع فلسطين التاريخية كلها وحرسها
بأراض عربية مجاورة أخرى, ثم سلّمت الراية لأمريكا لتكمل المشوار الاستعماري
الإحتلالي بعد بريطانيا كما نشهد اليوم.
اليوم تتدخل
السفارات الأجنبية المؤثرة المبثوثة في العالم العربي في أدق التفصيلات العربية
ويتنقّل السفراء بين شرائح الشعب بحرية لا يحتاجون لإذن من أحد وكأنّ البلاد بلا
سيادة, يتدخلون في التشريعات وشكل الانتخابات ونتائجها، والإنفاق العام والسياسات
الاقتصادية والتعليمية والمناهج والاقتصاد، وحتى اختيار الوزراء ورؤسائهم, إضافة
إلى مستعمر متطور جديد اسمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي يقرر الضرائب
والأسعار تحت شعار زائف هو تحرير الأسعار, حتى غدت الحرية فقط هي في انفلات
الأسعار وسعارها الذي لم يتوقف.
إنّ مشوار الشعوب
طويل، وقد شقّت طريقها غير آبهة بالنعيق الآثم وستحقق مرادها عمّا قريب، وهنيئا
لمن يقف مع نفسه وشعبه ووطنه وحاضره ومستقبله في طريقه للتحرر الحقيقي.
وإن كانت قد بدأت
ربيعها العربي بقوة وبصورة مختلفة عمّا مضى, بعد أن انكشف لها المستور وظهرت
الأمور على حقيقتها, إنّها تنهض اليوم لتخرج من الاحتقلال إلى الاستقلال الحقيقي
وتنتهي من المرحلة بين مرحلتين, وإنّ هذه الحالة أمانة في أعناق الشعوب يجب أن لا
تفرّط بها ولا تساوم عليها ولا تتراجع عنها مهما كانت العقبات والمعرقلات، وأن
تطوّر حراكها الشعبي الوطني المبصر ولا تتلهّى بالوعود واللعب بالوقت دون عمل
حقيقي, وتحية وألف تحية للشعوب التي بدأت وضحّت وصممت، ولم تعرف اليأس والقعود
والشعوب ستنتصر في النهاية.