أخبار البلد - في عمق المنطقة الصناعية بجنوب ممفيس،، وتحت حراسةٍ مشددة وسياجٍ فولاذيٍّ يتربّع مشروع "كولوسوس" كأحد أكثر المواقع الحاسوبية تطورا وسرية في العالم، بإشراف الملياردير إيلون ماسك.
ما يبدو للوهلة الأولى كموقع بناء صناعي عادي، يخفي وراء جدرانه بنية تحتية هائلة مخصصة للحوسبة الفائقة، قادرة على معالجة بيانات ضخمة بسرعات غير مسبوقة.
ويصف المطلعون هذا المشروع بأنه العملاق الخفي الذي يعيد تعريف مفهوم القوة الحاسوبية، حيث يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والحماية الأمنية المشددة، ليصبح قلبا رقميا لا يمكن اختراقه بسهولة.
ويأتي كولوسوس ضمن سلسلة مبادرات لماسك لتطوير الذكاء الاصطناعي والحوسبة المستقبلية، ما يجعله محل اهتمام عالمي لكل من الباحثين والمنافسين في المجال التكنولوجي.
من الخارج، يبدو الموقع كأي مشروعٍ صناعيٍّ جديد، لكن خلف جدرانه المعدنية ينبض مشروعٌ غير عادي: "كولوسوس 2" — منشأة الحوسبة الفائقة التي تبنيها شركة xAI التابعة لإيلون ماسك، لتكون القلب التشغيلي لعقلها الاصطناعي الأشهر "جروك"، وأحد أكثر مشاريع الذكاء الاصطناعي طموحًا وسرّية في العالم.
في يونيو 2024، حين أعلن المسؤولون المحليون المشروع رسميا، كان معظم العمل قد أُنجز بالفعل. فالمجمع الواقع في 3231 شارع بول لوري بولاية تينيسي، صُمم ليضم أكثر من 500 ألف شريحة ذكاء اصطناعي عالية الأداء من طرازي NVIDIA H100 و GB200، تعمل بلا توقف في شبكة واحدة تُعدّ الأضخم من نوعها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي في العالم.
بحسب الموقع الرسمي لـ xAI، بُني مجمع كولوسوس خلال 122 يوما فقط، ويعمل حاليا بما يزيد على 200 ألف وحدة معالجة رسومية بمعدل تشغيل يبلغ 99٪.
المرحلة الثانية من المشروع، المعروفة باسم Colossus 2، تهدف إلى مضاعفة السعة إلى أكثر من نصف مليون شريحة، في خطوة تتجاوز حتى قدرات مراكز البيانات التابعة لشركات مثل Google وMeta.
وقدّرت صحيفة وول ستريت جورنال تكلفة هذه التوسعة بما يفوق 18 مليار دولار في مكوّنات العتاد وحدها.
لكن خلف الأرقام المبهرة، تبرز أزمة بيئية واجتماعية متصاعدة. فقد بدأت فواتير الكهرباء في جنوب ممفيس بالارتفاع، وتكرّرت انقطاعات التيار، فيما زاد الضباب الدخاني الذي يغطي سماء الأحياء القريبة من المشروع. المنطقة، التي يسكنها غالبًا أفراد من الطبقة العاملة والأقليات، تحمل تاريخًا طويلاً من التلوث الصناعي.
وتشير بيانات وكالة حماية البيئة الأمريكية إلى أن الأحياء المحيطة بالموقع تقع ضمن أعلى 10٪ من المناطق المعرّضة لمخاطر السرطان الناتجة عن التلوث الهوائي في البلاد.
ورغم ذلك، تقول جماعات محلية مثل مجتمع ممفيس ضد التلوث (MCAP) إن المشروع مضى قدما دون أي تقييم بيئي حقيقي أو استشارة عامة.
وفي محاولة لتلبية احتياجات الطاقة الهائلة للمجمع، والتي تُقدّر بنحو 150 ميغاواط — أي ما يعادل استهلاك 100 ألف منزل — اشترت شركة xAI محطة طاقة تعمل بالغاز الطبيعي لتغذية المنشأة مباشرة، متجاوزة الإجراءات التنظيمية المعتادة، وفقا لـ " dailygalaxy".
نشطاء محليون وصفوا ممفيس بأنها أصبحت منطقة تضحية في سبيل سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.
تقول بيج كيلسور، إحدى المنظّمات المجتمعية: "لسنا ضد التكنولوجيا، لكن هذا ليس ابتكارًا… بل إقصاء للمجتمعات المحلية".
ويشير محللون إلى أن هذا المشهد يعيد تكرار نمط مشاريع ماسك السابقة: رؤية كبرى تُطرح بوصفها منقذة للمستقبل، تنفيذ سريع يتجاوز القواعد، ثم موجة من التدقيق العام والمخاوف البيئية — كما حدث في مصانع تسلا وسبيس إكس من قبل.
ورغم الانتقادات، يواصل مسؤولو المدينة التزام الصمت. فبحسب غرفة تجارة ممفيس، تُعد شركة xAI الآن ثاني أكبر دافع ضرائب في المنطقة بعد فيديكس، لكن لا أحد يقدّم إجابات واضحة عن تكلفة هذا "الذكاء الفائق” على صحة السكان ومستقبل بيئتهم.
كولوسوس .. العملاق الخفي لإيلون ماسك