كان الجواب حاضرا وربما قبل الإعلان عن الانفجارين الإرهابيين في سوريا.. ويبدو أن النظام السوري قد تناسى بان العالم أصبح يعرف أن تنظيم (القاعدة) قد انتهت أسطورته وانتهى العمل بكوده وأصبح استغلاله (موضة) قديمة بعد أن عرف الجميع أن هذا التنظيم قد انتهى بعد أحداث 11 سبتمبر أو ربما صنع لهذا السبب وما يترتب عليه فقط..،حيث تم استنزاف المصطلح (القاعدة) حتى أضحى الصغير يعرف قبل الكبير بأن ( القاعدة) هي مبرر المغفلين وحاضنة المستغفلين.
وعلى قاعدة من المستفيد ومن الخاسر ندرك أن هذه الانفجارات نقلت المشهد السوري من نموذج الثورات التقليدي الى النموذج العراقي الدائم الفوضى، حيث قدمت هذه الانفجارات تأشيرة عبور للنظام لينتقل من الأنظمة الديكتاتورية الى مصاف العصابات العائلية والتي هي اقرب للمافيا، وما تصريحات بثينة شعبان إلا مؤشرا على سقوط النظام، حيث أشارت في هذه التصريحات الى إمكانية فضح بعض الشخصيات العربية من خلال نشر مقاطع لا أخلاقية لهم..!
مما سبق من أحداث على الساحة السورية وحين تتبع مسار النظام في قيادته لأركان حكمة ضمن الدائرة الضيقة وتحليل طريقة إدارته لصراعه للبقاء على عرش سوريا نجد أن النظام انتقل رغما عنه للمرتبة الأدنى للحكم والتحكم (ولا البلاش)، وكان ذلك حين فشلت خططه في الحفاظ على عرش السلطة كنظام له امتداده المفترض وسلطاته المغتصبة أساسا، مما دفع صناع القرار في (العائلة) لقبول الانتقال من لاعب أساسي في المؤامرة الماكرة على الوطن العربي ومشاريعه الى (صبي) بمرتبة مشابهه لمرتبة (المالكي) و(مقتدى الصدر) في العراق.
فأمام استمرار الثورة السورية بالوتيرة المتسارعة والمتطورة والسلمية الصبغة بالتأكيد وأمام مبادرة عنان.. كان النظام السوري يعد أيامه الأخيرة.. حيث كانت كل المعطيات تشير بان الثورة السلمية ستفقده الحكم حتما إذا استمر بمقارعتها ( الثورة) بالطرق التقليدية بما فيها القمع المفضوح..، وستنتقل (العائلة) من عرش سوريا الى إحدى دول المنفى في أحسن الأحوال تاركين وراؤهم الآلاف من خدم وصبيان النظام تحت رحمة يوم الحساب، وتاركين وراؤهم ملفات فضائحهم وأرشيف تآمرهم أمام الجميع.. وهذا لن يعجب الكثير من دول محور الشر على عالمنا العربي ومشغلين هذا النظام بدءا (بإسرائيل) وانتهاء بإيران، حيث أثبتت كل الوقائع بان النظام السوري عمل صبيا مزدوجا لإطراف هذا المحور.
فلا عجب أن يكون النظام أو إحدى أجهزته الأمنية التسعة قد وزع ادوار الانتقال للنموذج العراقي (المعقد والمضمون لهم البقاء ضمنه) وذلك من خلال ترتيب أدوات وعناصر التفجيرات (المكان والزمان والطريقة) بما يشمل ذلك التهيئة المستمرة لوجود تهديد عالمي عليه وهو بعبع الشرق والغرب (القاعدة)، فالأمكنة المختارة هي أمكنة تجمع المطلوبين والمراجعين لأجهزة المخابرات السورية ( وليس عناصر السلطة) والزمان هو الزمن الصعب الذي يحتاج فيه النظام حتى لثواني لإبعاد شبح السقوط عنه والضحايا لن يضيروه لو رفعوا عدد ضحايا النظام من ثلاثمائة ألف ضحية الى ثلاثمائة ألف وخمسون شخصا خلال فترة الأربعة عقود التي عاشها النظام على صدر الشعب السوري..
وهنا لا نستطيع أن نجزم بان السلطة بشخوصها النظاميين هم من صاغوا سيناريو الانفجارات السابقة واللاحقة ربما، بل ندرك أن معظم شخوص السلطة الديكورية لا تعرف الكيفية التي تدار فيها الأزمة ودرجات الشر المسموح بها في صراع البقاء للنظام، والمتمعن في هيكل السلطة الضيق في سوريا يدرك أن المطبخ السوري الرسمي الفعلي يديره العرّاب الإيراني والإيحاء الصهيوني من خلال رؤوس العائلة الذين يملكون قرار تحريك مراكز القوة في الأجهزة الأمنية واستخدام أذرعه المشروع الحاضن لهم من فرق الموت القذرة المقدمة من حزب الله والحرس الثوري الإيراني.
وعلى الصعيد المقابل فالمعارضة السورية بما فيها الجيش السوري الحر أحوج لكل نقطة دم بان تبقى في شريان أبناء شعبها نابضة وبحاجة لكل فسحة سلام وأمان لترفع أغصان الزيتون بدل البنادق التي تحملها رغما عنها لحماية أبناؤها وأعراضها، وبحاجة لإقناع العالم برمته بحضارة الشعب السوري الحقيقية التي اغتصبت بفعل (العائلة).
جرير خلف