اخبار البلد
أعجب ما طالعنا به كاتب كان يتمتع بمكانة جيدة لفترة جرى فيها توزير مالك "اليومية" التي أظهرته، ومن بعده رئيس تحريرها.. ولكن بيعا "فجا" للصحيفة حتم استقالة كتابها، فانقطع حبل التوزير، فسكت كاتبنا فيما يبدو عن الكلام المباح وتعجل في طلب مكافأته.
الكاتب يعنون لإحدى مقالات عهده الجديد بسؤال "هي يقبل الأردنيون تسوية مع الفساد؟"، ويجيب بنعم مكررة، معتبرا هذا مما تقوم به "الدول" في مراحل سياسية معينة كتسويات مؤلمة تقلل الخسائر وتوقف "نزف الشعبية" الذي يقول الكاتب إنه سيؤدي إلى "انهيار المجتمع قبل الدولة"!! هذا مع أن سكوت المجتمع عن الفساد هو وصفة انهيار الدولة، بشهادة ابن خلدون عن "حكام تاجروا وتجار حكموا".
والكاتب يقول هذا لحراك شعبي لم يعد يطالب فقط، بل وقدم مشاريع إصلاح متكاملة بتعديلات دستورية تعيد السلطات للشعب وقوانين انتخاب وهيئة مستقلة للإشراف على تلك الانتخابات، غير النسخ الرسمية المشوّهة التي أدت لاعتذار أحمد عبيدات عن تولي رئاسة الهيئة.. ولكن ذلك هو عبيدات وليس كاتبا من كتاب "التدخل السريع" أو البطيء المؤجل للحظات الانقضاض على المنجز الشعبي عبر أكثر من عام من الإصرار والنضوج.. فهل حقيقة (يقول الكاتب أن الساسة ورجال الحكم توصلوا إليها منذ مدة) أن فتح الباب على مصراعيه لمحاكمة المتهمين بالفساد "سيهوي بمكانة الدولة ورموزها" ، تجعل تلك الرموز الفاسدة أحق بأن يبقوا هم "الدولة"، ويتوجب على الشعب ليس فقط التستر عليهم، بل والاعتراف لهم بأحقية استمرارهم في حيازة ما سرقوه ليبقوا في مواقعهم "كرموز للدولة" ويبقى الشعب مجرد "رعية" لهؤلاء!!
ما يطلبه الحراك الشعبي ويقدم مستلزماته، هو إعادة بناء الدولة بصورة ديمقراطية وعصرية، وليس تكريس القائم بإعطائه شرعية شعبية استعصت على الانتزاع بالقوة، ويريد كاتبنا أن يقدمها الشعب طوعا. فالكاتب يعترف بأن محاولة مجلس نواب مزور تحصين الفاسدين المتهمين في صفقات كبرى من المحاسبة "تسوية" قامت على "دفن أبرز ملفات الفساد".. ولكنها، باعتراف الكاتب، تسوية افتقرت إلى الشروط الواجبة للنجاح والقبول، لأنها ببساطة "بدت وكأنها صفقة بين الدولة والمتهمين"، وليست تسوية بين الدولة والشعب..أي في اعتراف بعدم تمثيل النواب للشعب، والمطلوب الآن قبول الشعب بنفسه!! كيف إن لم تنفع لعبة تزوير مجلس يقوم عنه بهذا؟ هل يساق كلّه قطينا؟ أم أن بضع مقالات كان الكاتب دغدغ بها عواطف الشعب تؤهله لأن يسوّق عليه "أن يتنازل عن الماضي من أجل المستقبل"؟!!
أي مستقبل بقي لشعب في وطن بيعت كل مقدراته أرضا وثروات ومشاريع وحتى خدمات، بسعر بخس جرى نهبه قبل أن يدخل الموازنة أو بعدها، مقابل عمولات بأضعاف ذلك السعر، وحمّل كل مولود أردني عشرة آلاف دينار ديناً ينتظره لحظة ولادته، في ظل حكم ذات "الرموز" التي نهبت وباعت؟ أي حكم "ديمقراطي وعادل" سيوفره هؤلاء الذين اشترى أغلبهم مواقعه، ليس فقط من الشعب المفقر مقابل عشائه ليلتها أو جرعة دواء تأخرت، بل واشتروها بأثمان خيالية من مراكز قرار وباتوا يورثونها لأبنائهم كما المال المنهوب تماما؟!! وأقلّه ما جرى الاعتراف به من قيام دائرة المخابرات بتنصيب نواب أصبحوا يسمّون "مخضرمين"، مثلهم مثل وزراء يأتون عبر "مراكز قوى" ولم يعد رئيس أية حكومة يملك أن يختارهم.
الكاتب يستشهد بتسوية "الميثاق الوطني" الذي أسقط فيه من اختارهم الحكم ليمثلوا المعارضة، حقوق المعارضين عما "لحق بهم من أذى زمن الأحكام العرفية".. وهي خديعة كتبتُ محذرة منها حينها ولاحقا مرارا، والآن يقف رئيس لجنة الميثاق أحمد عبيدات شاهدا على أنه بعد ذلك "التنازل المؤلم" ، تم وضع الميثاق كاملا على الرف و"عادت حليمة لعادتها القديمة"!!
عمولة تبييض الأموال تصل لأكثر من خمسين بالمئة، وتزيد على التسعين بالمئة عند تكشّف أنها أموال فساد، كما هو الحال في ثروات "رموز الدولة" هؤلاء.. فهل بإمكان الكاتب المحترم أن يخبرنا كم كلفة أو عمولة غسل ونشر وتجفيف وكي مكاسب الفساد (فالكاتب يعرض تسوية تتم بنقاش وطني علني شفاف) ليتمكن الفاسدون من ارتدائها عيني عينك لتكريس أنهم هم "الدولة ورموزها"، وأسيادكم في الجاهلية أسيادكم في الإسلام!!.