بقلم: د. عصام عبد الجليل الكساسبة
في مملكة الأسمنت العشوائي، حيث تتسابق الرافعات أكثر من العقول، وتُقاس نهضتنا بعدد الطوابق لا جودة الأساسات، بات المواطن الأردني يشتري حلمه بالإكراه… شقة العمر، التي غالبًا ما تكون نهاية العمر.
يدخل المواطن البنك بوجه مُبتسم، يخرج بورقة تعهد وعَقْد مدته ثلاثون عامًا، ليشتري "صندوقًا إسمنتيًا بلا نفس”، يتوسط علبة سردين عمرانية تدّعي اسم "مشروع إسكان نموذجي”. وبدل أن يُقاس الحي بالمساحات الخضراء، صار يُقاس بعدد الطوابق المخالفة!
ما إن تُسلّم الشقة للمواطن، حتى يبدأ سماع "تنهيدات الحديد” و”أنين الأساسات”… ثم يكتشف أن السيراميك هشّ كقشرة بيضة، وأن الطوب يتنفس غبارًا، وأن العزل مجرد شائعة هندسية تداولها الأسلاف، وأن "الرقابة” كانت في إجازة مدفوعة على حساب الحالمين.
وحين تقع كارثة — لا قدّر الله — كما حصل في اللويبدة، وإربد، والزرقاء، ووادي السير، والبترا، نسمع سيمفونية معروفة:
نحن نحمّل المسؤولية للمواطن
نُشكل لجنة وطنية عليا للأسباب
سيُعاد النظر في تعليمات مجلس البناء الوطني!”
ثم تُعقد الاجتماعات، تُلتقط الصور، وتُرفع توصيات… وتُدفن مع الحطام.
أما المواطن، فهو إما تحت الأنقاض، أو يخرج منها ليُسدد الأقساط عن بيت لم يعد موجودًا.
وأما المقاول، فهو غير معروف، غير مرخص، وغير متاح للتعليق.
وأما الرقابة، فهي غير فاعلة، غير مسؤولة، وغير قابلة للتحميل!
ووسط كل هذا، لا أحد يطرح السؤال الأهم:
من يحاسب من؟
أو كما نقول في العامية: من "يحمّل الطوب” بدلًا من أن "يحمل المسؤولية”؟
ربما حان الوقت لإضافة مادة جديدة إلى كود البناء الأردني:
المادة (صفر): "قبل أن تبني طابقًا جديدًا… ابنِي ضميرًا أولًا!”