أخبار البلد -
اخبار البلد
استقالة رئيس الوزراء القاضي عون الخصاونة جاءت مفاجئة للكثيرين، وبما يشبه الصدمة لأصحاب القرار، فاستقالة رئيس الوزراء لا تأتي في الغالب من قناعته وبمحض إرادته، ولكنها تأتي استجابة لصاحب الحق الدستوري في تعيين رئيس الوزراء وإقالته وقبول استقالته، استنادا إلى المادة 35 من الدستور التي ما زال تعديلها مطلباً لازما للإصلاح. وإرسال الاستقالة من خارج الوطن خارج عن المألوف في الحياة السياسية الأردنية. ومن هنا كان الغضب الرسمي من الاستقالة شديداً، والتجييش عبر كتاب التدخل السريع ضد صاحبها سريعاً، في محاولة لتحميله مسؤولية تأخير الإصلاح، وهو الذي كان موضع الثقة والاحترام حتى لحظة الكشف عن الاستقالة.
لقد جانب الرئيس الخصاونة الصواب في تقديم استقالته في هذا الوقت، فقد ثارت ثائرة الكثيرين في مواجهة مشروع قانون الانتخاب، الذي جاء خلافاً لكل التوقعات، وخلافاً لما عبّر عنه الرئيس الخصاونة في اللقاءات العديدة التي عقدها وأركان حكومته مع طيف واسع من الحزبيين والنقابيين والمهتمين، ويتحمّل السيد الخصاونة وحكومته مسؤولية هذا المشروع الصادم لمشاعر الأردنيين، والمحبط لكل دعاة الإصلاح. لقد كان المأمول من السيد الخصاونة أن يقدّم استقالته حين عجز عن تقديم قانون ديمقراطي يفتح الباب أمام إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية، ولو فعلها يومها لصفّق له الكثيرون، واعتُبرت استقالته انحيازا للوطن، واستجابة للاصلاح، ولأخذ موقعه إلى جانب رؤساء وزارات تاريخيين قالوا "لا" في الوقت المناسب، وهو لا يخفي إعجابه بهم.
لقد شهدت حكومة القاضي الخصاونة ثلاث محطات كانت استقالته فيها مطلوبة بل واجبة، وكانت قنبلة الموسم لو فعلها، أولاهما يوم تم الاعتداء الآثم على حراك شباب المفرق، وعلى مقري حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين، تحت سمع الأجهزة الأمنية وبصرها، على الرغم من التواصل المستمر مع دولته قبل ارتكاب الجريمة بيومين وأثناءها، ثانيتها يوم عجز عن دفع الاعتداء النفسي والجسدي على أحرار الطفيلة وشباب الدوار الرابع، ولم يمكن من الوفاء بوعده ووعد الناطق الرسمي باسم الحكومة بالإفراج عنهم، وثالثتها وهي ثالثة الأثافي يوم تحمّل مسؤولية مشروع قانون انتخاب كرّس الصوت المجزوء، الذي لا يمكن أن يؤسس لحياة برلمانية حقيقية تنسجم مع النص الدستوري (نظام الحكم نيابي ملكي).
أما وقد أضاع دولة السيد الخصاونة هذه الفرص، مع كل التقدير لشخصه الكريم، فإننا نأمل أن تكون هذه التجربة أكثر من كافية للتدليل على أنّ الحكومة ذات الولاية العامة ما زالت صعبة المنال، وأنّ رئيس الوزراء في بلدنا كبير موظفين، وأنّ القرار يُصنَع في موقع آخر.