اخبار البلد_ د.سمير قطامي_ثمة ظاهرة لفتت نظري
الأسبوع الأخير, وقد حرت في تفسيرها, ولا أدري إذا كنا نحن الأردنيين
نتفرّد بها, أم أنها عامة بين أبناء العرب, وهي تغيّر المواقف من كبار
المسؤولين بعد ترجّلهم.. فأنا أقرأ يوميا, منذ أسبوع, عددا من المقالات
للصحفيين والكتاب, في كل الصحف, تسدّد اللكمات والطعنات لرئيس الوزراء
المستقيل الدكتور عون الخصاونة, وتتّهمه بكل ما حلّ بالبلد من مشاكل
وأزمات!! ولم يبق أمام بعضهم إلا اتهامه بأنه هو السبب في تبديد أموال
الشعب, ونشر الفساد, وإثقال كاهل البلد بالديون الثقيلة, علما بأن مدة حكم
الرجل لم تتجاوز ستة أشهر.. والغريب في الأمر أن عددا من هؤلاء الذين
أشهروا أسلحتهم عليه, هم من استقبله بالثناء والإعجاب, وقالوا فيه وفي
وزارته من الكلام الطيب, ما لم يقل بأي حكومة أخرى... فخلاص الأردن من
مشاكله سيكون على يديّ هذا القاضي القوي النزيه النظيف الضليع القادم من
المحكمة الدولية, الخبير بشؤون البلاد والعباد, القادر على إحقاق الحق,
وضبط الأمور, وإدارة دفة الحكم, بإعادة الولاية العامة للوزارة, بلا تأثير
أو وصاية من هذه الجهة أو تلك.. ذلك بعض ما قيل في الرجل, فما الذي تغيّر?
لست في صدد الدفاع عن عون الخصاونة, فأنا لا أعرفه شخصيا, ولا تربطني به
أية علاقة, وأرى أنه لم يوفّق في اختيار بعض الوزراء, أو في وضع ثقته في من
لايستحقها, ولكنني مستاء من هذا الأسلوب في الهجوم أو كبّ الشر, كما يقول
العامة, فالرجل تسلّم البلاد في ظروف صعبة, فالاعتصامات تعمّ الأردن بمدنه
وقراه, والمديونية في تزايد كل يوم, والموازنة تعاني عجزا كبيرا, والمنظمات
المالية الدولية تضغط على الحكومة لرفع الدعم, والشارع يصرخ من الجوع
والبطالة والفساد, والمواقع الألكترونية تتطاول على الصغير والكبير, ومجلس
النواب يحاول إثبات وجوده بعد فضيحة ثقة ال¯ 111 صوتا, بمناكفة الرئيس لأنه
ضد حصول النواب على مكاسب لا حقّ لهم بها, والحرس القديم ينصبون له
الفخاخ, وقوى الشدّ العكسي تغلّ حركته وتشوّه أعماله, وصائدو الفرص,
يزايدون عليه, ويربكون تحركاته, وكل ينطلق من أجندة خاصة به, ومع ذلك تمكّن
الرجل في ظلّ هذه الظروف القاهرة أن ينجز الكثير في مجال التشريع والقوننة
والنزاهة وحسن الإدارة واحترام الناس, وخرج نظيف اليد, لم يستطع أحد أن
يسجّل عليه أي شبهة فساد أو مخالفة, في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني
أن أي رئيس حكومة لا يمكن أن يرضي الناس كلّهم, ويحقّق رغبات كل الأطراف,
في وضع الأردن الذي لا يخفى على لبيب.
ما كنت أحبّ للكتاب أن يهلّلوا للقادم, ويردحوا للذاهب, لأن هذا المنحى
يصيب الصحافة بمقتل, ويسيء لمصداقية الكتاب, ويزعزع ثقة القرّاء بهم, وما
كنت أتمنّاه على كتابنا الذين استخرجوا أقسى النعوت من قاموس الهجاء
والشتم, أن يقفوا عند نقطة واحدة لدى الرجل, وهي صدقه مع نفسه, ويحترموه
لذلك, لأنه آثر الاستقالة عندما أحسّ أنه لايستطيع العمل بولاية كاملة دون
ضغوط.. فهل يستحقّ رجل مثل هذا, أن تشوّه مواقفه, وتُلطّخ سمعته, ويهاجم
بأسلوب فظّ ؟