في خطوة تهدف إلى إدارة العملية الانتخابية لمجلس الشعب السوري، أثار تشكيل اللجنة العليا للانتخابات انتقادات واسعة بين خبراء سياسيين وقانونيين؛ إذ أشار مراقبون إلى أن التشكيل جاء بقرار رئاسي منفرد، دون مشاورات وطنية؛ ما يضعف شرعيتها ويعكس استمرارا لنهج الإقصاء السياسي.
ويرى الخبراء أن اللجنة تفتقر إلى التمثيل العادل للمكونات السورية، بما في ذلك غياب واضح للأكراد والدروز والتيارات السياسية المستقلة، كما ينتقدون هيمنة التعيينات السياسية على حساب الكفاءة، حيث تغيب عنها الخبرات المتخصصة في الإدارة الانتخابية والقانون الدستوري.
ويؤكدون أن هذه الخطوة، رغم تسويقها كبداية لمرحلة ديمقراطية، تكرّس النهج السابق نفسه في إدارة العملية السياسية من خلال قرارات أحادية؛ ما يثير علامات استفهام حول نزاهة الانتخابات المقبلة وقدرتها على تمثيل إرادة الشعب السوري.
وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي والأكاديمي صلاح نيوف، إن تشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب جاء بناءً على أحكام المادة 24 من "الإعلان الدستوري".
وأضاف في تصريح صحفي أن أول ملاحظة على التشكيلة هي غياب المختصين في مجال الانتخابات أو القانون، فضلًا عن أن الإعلان الدستوري نفسه محل خلاف، وترفضه نسبة كبيرة من المكونات السورية، ويواجه انتقادات واسعة.
وبيّن أن الملاحظة الثانية تتعلق بمخالفة المرسوم للتقاليد السياسية والدستورية المتعارف عليها منذ العصور الإغريقية وحتى اليوم، مشيرا إلى أن أرسطو أسس لمبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية)، بينما في سوريا اليوم، وبعد أكثر من 2500 عام، تقوم السلطة التنفيذية بتعيين ثلث السلطة التشريعية، في تكريس لنظام الحكم الفردي.
وأوضح أنه لا يمكن لسلطة تشريعية، مهمتها سن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية، أن تكون معينة من هذه السلطة ذاتها، إذ يُفقد ذلك مجلس الشعب دوره الحقيقي كممثل للشعب.
وأشار نيوف إلى أن من الملاحظات الأخرى هو التوزيع غير المتوازن للمقاعد على المحافظات، حيث لا يعتمد التوزيع على معيار واضح أو منصف من حيث عدد السكان. كما انتقد ضعف التمثيل النسائي؛ إذ ضمت اللجنة سيدتين فقط من أصل 11 عضوا، إلى جانب غياب التمثيل السياسي والاجتماعي الحقيقي.
وختم بقوله إن هذه اللجنة، التي ستشرف على أول انتخابات برلمانية بعد سقوط النظام، ستواجه تحديات كبيرة بسبب غياب التخصص والتمثيل الحقيقي.
من جهته، رأى الكاتب والباحث السياسي محمد هويدي، أن البلاد خرجت لتوها من واحدة من أكثر المراحل دموية في تاريخها، ومع إعلان الرئيس الانتقالي أحمد الشرع عن تشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، بدا المشهد كأن سوريا تستعد لفتح صفحة جديدة في حياتها السياسية.
وأضاف هويدي أن هذه الخطوة منحت الشعب فرصة للتمثيل عبر صناديق الاقتراع، لكن التفاصيل تكشف أنها مجرد "ديكور سياسي"، حيث جاء التشكيل بقرار رئاسي منفرد، دون حوار وطني أو مشاركة مدنية أو سياسية.
وأوضح أن اختيار الأعضاء وتوزيع المناصب تم كما في عهد حزب البعث، ليس وفق الكفاءات، بل وفق الولاءات السياسية، في ظل غياب المختصين في القانون الدستوري وخبراء إدارة العمليات الانتخابية.
وأشار إلى أن بعض الأسماء ظاهريًا تمثل تنوعا، لكنها عمليا تفتقر للقدرة على المساءلة وصنع القرار، وتغيب عن اللجنة مكونات أساسية مثل الأكراد والدروز، والمستقلين، والتيار العلماني الليبرالي.
وختم بالقول إن هذا التشكيل لا يمثل حالة تمثيل شعبي حقيقية، بل محاولة لإظهار المشهد وكأنه ديمقراطي، وهو لا يختلف – بحسب تعبيره – عن مرحلة البعث، حيث تُصاغ القوانين والمراسيم من دون اعتبار حقيقي للعملية السياسية أو الدستورية.