غريب أمر هذه الحركة التي تلبس عباءة الدين ونسميها بالإسلامية ، فهي غريبة في مسلكها وسياستها ، تستثمر أجواء الحراك الإصلاحي في البلاد لتقفز فوقه وتدعي أنها حراك إصلاحي في وقت بان دون أدنى شك أن حراكها وحركتها هي لحصد مكاسب سياسية ولا علاقة لها بالحراك الإصلاحي الذي دعا اليه الشارع ، خرجوا للشارع جنبا إلى جنب مع حراك الشعب المطالب بالإصلاح وملاحقة الفساد ،فيما يخفون خلف حراكهم نوايا السلطة والحكم ، فجالوا البلاد طولا وعرضا لإثبات أنهم يقفون خلف الحراك، وحاولوا إقناع الغرب أنهم يملكون الشارع ، وأوصلوا رسائل تطمين أنهم أصحاب الاعتدال والفكر النير وحملة رسالة السلام بهدف الحصول على الرضا الغربي والأمريكي منه خاصة ،يشاركون الشعب حراكه في وقت يمارسون اللعب تحت الطاولة مع السفراء الغربيين لتسويق أنفسهم كبدلاء عن طبقات الحكم في البلاد العربية .
لا يرتاح لهم بال ، ولا يتنفسون الصعداء و لا " يفشون غلّهم " اويطرحون برامجهم وأجندتهم إلا على طاولات الغرب وأمام السفراء الغربيين ، وأخرها في منزل السفير البريطاني في عمان على عشاء عمل لاندري ماهي طبيعة الأطعمة المقدمة إليهم ، وهل سألوا سعادة السفير إن كانت تلك المأكولات مذبوحة على الطريقة الإسلامية أم لا ! ، وهل قدم إليهم شراب طهورا أو ماء زمزم استطاع السفير توفيره تهليلا وترحيبا بهم . وفي النهاية جالسوا سفير دولة صنعت من عصابات الهاجانة وقطعان الإجرام الصهاينه دولة على أنقاض ارض وشعب الأقصى عبر وعد انجليزي قطعه " بلفور " ، وبات منزله الآن هو الحضن الدافئ للإسلاميين ! متناسين ما أحدثه الإنجليز من مؤامرات وخداع وجرائم بحق الإسلام والمسلمين على مر التاريخ كان أخرها مذابح العراق وأفغانستان ، ويعرف هذا الرجل ما الذي تريده تلك الحركة وما تطمح إليه ، فهو الذي أدار دائرة الأمن في مجموعة الكومنولث لسنوات عده ، فرغب بأن يمنحهم بعض " النشوة " والوعود حين دعاهم الى بيته بالحصول على جزءا ليس بسيطا من كعكة الوطن التي يجاهدون منذ سنين للحصول عليها كما حصل مع إخوان مصر ، الذين حصلوا على قسم كبير من كعكة مصر ما بعد مبارك لقا تنازلات واسعة كان أهمها احترام اتفاقية السلام مع إسرائيل وتضييق الخناق على حركة حماس ، كيف لا ، ويشهد التاريخ بتحالفات الإخوان مع الانجليز في الوقوف في وجه الملك و حزب الوفد الوطني قبيل ثورة الضباط الأحرار ، ووقوفهم ضد عبدالناصر جنبا إلى جنب مع الانجليز والسعودية ، وتحالفهم مع السادات في وجه الناصريين والشيوعيين ،وأخرها دعم مشاريع مبارك لإلغاء الإصلاح الزراعي وبيع ثروات الوطن وخصخصتها ، ولا ندري أن تلقت الجماعة وعودا من قبل السفير بتقديم قانون انتخاب يستجيب لبرامجهم وأجندتهم، أو إستعادة جمعية المركز الإسلامي إلى عصمتهم،وحل عقدة العلاقة مع حماس أم لا ، أم أنهم كانوا ينشدون " بلفور "جديد على غرار وعد بلفور البريطاني لإقامة دولة على أنقاض دولة وشعب أخر في الأردن !
كانت هذه الجماعة ومن خلال بعض قيادتها قد التقت في عمان واسطنبول وبعض عواصم اوروبا دبلوماسيين أمريكيين وانجليز فرنسيين كانوا ولازالوا بنظر الشعوب العربية أصدقاء وحلفاء وأعوان تاريخيين للدولة الإسرائيلية المارقة المغتصبة للأرض ألمقدسه ، ولا أدري هل لازالت القدس والأقصى ومنبر صلاح الدين أماكن مقدسة لدى هذه الجماعة ! ام أن المصلحة تقتضي التغيير والتبديل وفقا للتطورات ، فأن كان ثمن الرضا الأمريكي والغربي هو تولي الإسلاميين للحكم في مصر قائم على الالتزام بالعهد والسلام مع اليهود وتطويق غزه ، فما هو الثمن الذي سيقدمه الإخوان هنا مقابل الرضا الغربي لمنحهم الضؤ الأخضر للمشاركة في الحكم وتحقيق مطالبهم التي تمكنهم من المشاركة في الحكم !! فهي لن تتوقف عند احترامهم لمعاهدة السلام مع إسرائيل ، فتلك قد حصلوا عليها من " التنظيم الأم " في مصر ، بل قد يكون أبعد من ذلك ، وهي ما يتعلق منها بالتوطين والتمهيد لجعل الأردن وطننا بديلا للفلسطينيين مقابل تفريغ الضفة من أهلها لصالح إسرائيل ، وإلا ماهو الثمن الذي يبحث عنه الانجليز والأمريكان ويطالبون بتحقيقه من قبل الحركة الإسلامية في الأردن !!
" كوكتيل " السياسة والدين ، خلطة يطفو على سطحها دوما طعم السياسة والمصلحة والمنفعة ، ويضعف فيها طعم الدين ، فلا زالت بعض القوى ممسكة بها لما فيها مصالحها لا أكثر ، السياسة نفاق وكذب ودجل ومصالح ، والدين أنقى من كل فكر ومسلك أصحاب تلك العباءات الدينية ، الذين وجدوا في الدعوة للجنة الحوار الوطني التي تشكلت بعيد الحراك الشعبي مباشرة فرصة النظام لتطويق الحراك وإجهاضه على حد تعبيرهم ، فرفضوا المشاركة انطلاقا من قاعدة إشعال الشارع وتأزيمه لعله يسير باتجاه تحقيق مصالحهم ، فكانوا أعداء " رافضون " لكل حوار وطني دون سبب يقنع الناس بوجهة نظرهم ،فهي ديماغوجيا السياسة والدين ، فهم لازالوا بذلك الخلط يعانون أزمة العلاقة مع الأخر باعتبار أنهم حزب مقدس لا يجوز نقده ومهاجمته او المرور من خلاله ، وكأن ما يطرح من قبلهم مقدس لا يجوز نقده وعلى البقية قوى ودولة وشعب أن يرضخ و " يقدس" طروحاتهم ، وهناك مشكلة أخرى يواجهونها هنا ، وهي أزمة تقريب السياسي إلى الديني ، وتلك لم ولن تنجح لتباعد المسافات بينهما ، فالجماعة الإسلامية التي نادت بالدعوة والإصلاح والعمل الخيري وطرحت برامج التحرير والحشد واتخذت مبدأ " واعدوا " لاسترداد الأرض المغتصبة ، واستطاعت بناء قاعدة جماهيرية واسعة وجدت في هذا التنظيم بغيتها لتحرير الأرض وإصلاح الحال ، انقلبت تلك الحركة إلى حزب سياسي بعيد كل البعد عن رسالة الدعوة والجهاد والعمل الخيري ، واتجه للعمل السياسي والاستثماري الذي ناله بفعل ما كان يقدم إليه من دعم مالي كبير من قبل الناس عبر صناديق العمل الخيري والزكاة ، ودعم بعض الدول والأصدقاء من خارج البلاد لتغطية برامجهه الدعوية والإصلاحية ، لكنه قام بتوجيهها نحو الاستثمار والتجارة ، فأنشأ إمبراطورية تجارية بلغت حد المليارين دينار أردني ، وراح يبتعد شيئا فشيئا عن رسالة الدعوة والإصلاح والتقليل من إعلام الجهاد والتحرير التي كانت العربة التي حملتهم إلى قلوب الناس ، وانشغل بمعارك سياسية داخلية مع الدولة الأردنية والقوى السياسية الفاعلة ، وبات هو " الخصم الأول " الذي يتصدى للقوى السياسية في النقابات العمالية والمهنية ليس لأهداف دعوية دينية خالصة ، بل لأهداف سياسية بحتة كان عنوانها التطبيع مع الغرب الأمريكي حتى لو كان ذلك يستدعي مواجهة مع الدولة الأردنية التي صنعت منهم وعلى مدار عقود طويلة تنظيما سياسيا كبيرا ، ففعلوا بالدولة الأردنية ما فعله الذي تعلم الرماية ورمى معلمه ، مما استدعى مواجهة بين الدولة والأخوان تطورت إلى " إفشال " وإسقاط كل من يقترب من دعواهم ، وحكومة الخصاونه شاهد على هذه السياسة وما آلت إليه في النهاية .
ومن هنا ، فلا يمكن أن تركب في عقل مسلم أن الحركة الإسلامية ترفض حوارا مع الدولة الأردنية فيما تسرح وتمرح بحوارها وتشكو همها إلى السفراء الغربيين ذوي الأصول الصليبية والاستعمارية واليهودية المعادية للأمة وتاريخها ودينها كما كانت تقول أدبياتهم بحق أولئك الناس ، فالغرب لم يعاد العرب لأنهم عرب ، بل عاداهم لأنهم مسلمون أصحاب رسالة لا أكثر ، ولأنهم أصحاب برنامج سياسي ونهضوي ، فغاب عن الإسلاميين أنهم بذلك يقدمون أنفسهم كتنظيم "عربي " وليس إسلامي لا يملك أي مشروع نهضوي للأمة ، وأن ما قيل عن مشروعهم التحرري والنهضوي وبعث الأمة من جديد ذهب مع ريح التطورات والتحولات الجارية في العالم ، وأن الرسالة الخالدة للإسلام اختصرت في إمكانية الحصول على بضع مقاعد برلمانية وحكومية ولو كانت على حساب الدين والمبدأ والعقيدة ،وهذا أصلا ما دعا الغرب لفتح الحوارات معهم ، بعد أن شعروا أن تلك الحركات الإسلامية نزعت عن جسدها كل ما يتعلق برسالة الإسلام والعقيدة والمنهج الرباني الذي تمسكوا به شكلا لتسويق أنفسهم بين الناس ، ففشل " الإسلام " العربي حين مزج بين السياسة المرتبطة بالمصالح الضيقة والمكاسب الدنيوية ، وبين الدعوة والجهاد والتحرير والرباط والحشد ، فيما نجح الإسلام " العجمي " سواء في تركيا أو ماليزيا أو غيرها من البلاد الإسلامية ، لأنهم استطاعوا التمييز و التفريق بين السياسة والدعوة وتقديم الدعوة على السياسي في غالب برامجهم وسياساتهم ، فكانوا أكثر طهرا وأعمق نقاوة ممن فقدوا طريق الحق والتحقوا بركب السياسة تاركين الدعوة والإصلاح مجرد شعارات تجمع لهم المال وتستمر بتضليل الناس والتفافهم حولهم . ومن يقول غير ذلك فليقنعنا بجدوى وأسباب الحوار مع الغرب ، فهل تعتبر هرولة الإسلاميين نحو السفارات وبيوت السفراء الغربيين لدعوتهم الى الإسلام ، أو طلب مساعدتهم لنشر الدين الإسلامي وإقامة حكم الله في الأرض ! ومساعدتهم في الإعداد والتجهيز والتسليح لاسترداد الأرض المغتصبة ! أم هو استقواء ينشده الإسلاميون من تلك السفارات على بلادهم وشعبهم ، وكبرت في رأسهم " خديعة " أن الغرب قد يقبل بهم حكاما للبلاد!!
لم يتمكن أحد من تسجيل انتصار على تلك المجموعات الدينية الخالصة لدينها حين كانت تسمو فوق كل مصلحة دنيوية ، وحين كانت الدنيا بالنسبة إليهم ممر وليس مقر ، فنجح الإسلاميون في الدول غير العربية ، وفشلوا في البلاد العربية ، فقد تبدلت الأفكار وتلونت هنا ، وأذكر أنهم كانوا يلقموننا ونحن على مقاعد الدراسة وفي المسجد أن الدنيا هي الدنو والانخفاض ومتاع الغرور ، وكانوا يطلبون منا حفظ الآيات الكريمة التي تقول : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الأنعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ، وتعرضت هذه الحركة الى تطورات دراماتيكية مخالفة لمنهج ألبنا وسيد قطب حين باتت المصلحة تسمو فوق الدين ،( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) ، ليس لأنهم يرتدون عباءة الدين ويدّعون به ، لا ، بل لأنهم مازجوا بين الدين والسياسة وغلبت السياسة على ذلك المزيج حين تقدمت المصلحة والمنافع ودخلوا في تجارة واستثمار وأحلام الحكم والسلطة : ( وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ) حين أعجبتهم فكرة الحكم والمناصب والثروة والسلطة التي لوحت بها بعض الدول الغربية بإمكانية حدوثها في العالم العربي على يد الإسلاميين أنفسهم إن تبدلت أفكارهم وشاركوا تلك الدول حربها على الإرهاب ( الإسلام ) ، وكانوا يعتبرون الحكم مطلبا دنيويا خالفهم به زكي بني ارشيد بالقول أن لديهم القدرة لإنقاذ البلاد من أزمتها إن تولوا الحكومة !! ، فما الذي جرى وتطور على فكر الإخوان بعد مسلسل التنازلات الذي يقدمونه ليس لشعوبهم وأنظمتهم من أجل الحفاظ على أمن واستقرار البلاد ، بل إلى أعدائهم التاريخيين كما يدّعون ! وإن كانت الحركة قد اعتذرت للشعب الأردني وعلى لسان أحد قادتها في جمعة الوطن أول أمس بسبب مغادرتها حراك الإصلاح وملاحقة الفساد سعيا وراء " الخصاونه " طيلة فترة وزارته للحصول على مكاسب سياسية سرعان ما تبخرت برحيل الرجل ، فأن الأمر يحتاج الى تقييم شامل لأداء الإخوان وتمسكهم بمطالب الشعب الإصلاحية للحفاظ على الوطن وحمايته ، والبعد عن السعي والهرولة وراء مصالح سياسية قد تحصل وقد لا تحصل ، إن أرادوا نقاوة " فكر الدعوة والإستعداد للتحرير الذي ضللوا به أناس كثر ...
لا يرتاح لهم بال ، ولا يتنفسون الصعداء و لا " يفشون غلّهم " اويطرحون برامجهم وأجندتهم إلا على طاولات الغرب وأمام السفراء الغربيين ، وأخرها في منزل السفير البريطاني في عمان على عشاء عمل لاندري ماهي طبيعة الأطعمة المقدمة إليهم ، وهل سألوا سعادة السفير إن كانت تلك المأكولات مذبوحة على الطريقة الإسلامية أم لا ! ، وهل قدم إليهم شراب طهورا أو ماء زمزم استطاع السفير توفيره تهليلا وترحيبا بهم . وفي النهاية جالسوا سفير دولة صنعت من عصابات الهاجانة وقطعان الإجرام الصهاينه دولة على أنقاض ارض وشعب الأقصى عبر وعد انجليزي قطعه " بلفور " ، وبات منزله الآن هو الحضن الدافئ للإسلاميين ! متناسين ما أحدثه الإنجليز من مؤامرات وخداع وجرائم بحق الإسلام والمسلمين على مر التاريخ كان أخرها مذابح العراق وأفغانستان ، ويعرف هذا الرجل ما الذي تريده تلك الحركة وما تطمح إليه ، فهو الذي أدار دائرة الأمن في مجموعة الكومنولث لسنوات عده ، فرغب بأن يمنحهم بعض " النشوة " والوعود حين دعاهم الى بيته بالحصول على جزءا ليس بسيطا من كعكة الوطن التي يجاهدون منذ سنين للحصول عليها كما حصل مع إخوان مصر ، الذين حصلوا على قسم كبير من كعكة مصر ما بعد مبارك لقا تنازلات واسعة كان أهمها احترام اتفاقية السلام مع إسرائيل وتضييق الخناق على حركة حماس ، كيف لا ، ويشهد التاريخ بتحالفات الإخوان مع الانجليز في الوقوف في وجه الملك و حزب الوفد الوطني قبيل ثورة الضباط الأحرار ، ووقوفهم ضد عبدالناصر جنبا إلى جنب مع الانجليز والسعودية ، وتحالفهم مع السادات في وجه الناصريين والشيوعيين ،وأخرها دعم مشاريع مبارك لإلغاء الإصلاح الزراعي وبيع ثروات الوطن وخصخصتها ، ولا ندري أن تلقت الجماعة وعودا من قبل السفير بتقديم قانون انتخاب يستجيب لبرامجهم وأجندتهم، أو إستعادة جمعية المركز الإسلامي إلى عصمتهم،وحل عقدة العلاقة مع حماس أم لا ، أم أنهم كانوا ينشدون " بلفور "جديد على غرار وعد بلفور البريطاني لإقامة دولة على أنقاض دولة وشعب أخر في الأردن !
كانت هذه الجماعة ومن خلال بعض قيادتها قد التقت في عمان واسطنبول وبعض عواصم اوروبا دبلوماسيين أمريكيين وانجليز فرنسيين كانوا ولازالوا بنظر الشعوب العربية أصدقاء وحلفاء وأعوان تاريخيين للدولة الإسرائيلية المارقة المغتصبة للأرض ألمقدسه ، ولا أدري هل لازالت القدس والأقصى ومنبر صلاح الدين أماكن مقدسة لدى هذه الجماعة ! ام أن المصلحة تقتضي التغيير والتبديل وفقا للتطورات ، فأن كان ثمن الرضا الأمريكي والغربي هو تولي الإسلاميين للحكم في مصر قائم على الالتزام بالعهد والسلام مع اليهود وتطويق غزه ، فما هو الثمن الذي سيقدمه الإخوان هنا مقابل الرضا الغربي لمنحهم الضؤ الأخضر للمشاركة في الحكم وتحقيق مطالبهم التي تمكنهم من المشاركة في الحكم !! فهي لن تتوقف عند احترامهم لمعاهدة السلام مع إسرائيل ، فتلك قد حصلوا عليها من " التنظيم الأم " في مصر ، بل قد يكون أبعد من ذلك ، وهي ما يتعلق منها بالتوطين والتمهيد لجعل الأردن وطننا بديلا للفلسطينيين مقابل تفريغ الضفة من أهلها لصالح إسرائيل ، وإلا ماهو الثمن الذي يبحث عنه الانجليز والأمريكان ويطالبون بتحقيقه من قبل الحركة الإسلامية في الأردن !!
" كوكتيل " السياسة والدين ، خلطة يطفو على سطحها دوما طعم السياسة والمصلحة والمنفعة ، ويضعف فيها طعم الدين ، فلا زالت بعض القوى ممسكة بها لما فيها مصالحها لا أكثر ، السياسة نفاق وكذب ودجل ومصالح ، والدين أنقى من كل فكر ومسلك أصحاب تلك العباءات الدينية ، الذين وجدوا في الدعوة للجنة الحوار الوطني التي تشكلت بعيد الحراك الشعبي مباشرة فرصة النظام لتطويق الحراك وإجهاضه على حد تعبيرهم ، فرفضوا المشاركة انطلاقا من قاعدة إشعال الشارع وتأزيمه لعله يسير باتجاه تحقيق مصالحهم ، فكانوا أعداء " رافضون " لكل حوار وطني دون سبب يقنع الناس بوجهة نظرهم ،فهي ديماغوجيا السياسة والدين ، فهم لازالوا بذلك الخلط يعانون أزمة العلاقة مع الأخر باعتبار أنهم حزب مقدس لا يجوز نقده ومهاجمته او المرور من خلاله ، وكأن ما يطرح من قبلهم مقدس لا يجوز نقده وعلى البقية قوى ودولة وشعب أن يرضخ و " يقدس" طروحاتهم ، وهناك مشكلة أخرى يواجهونها هنا ، وهي أزمة تقريب السياسي إلى الديني ، وتلك لم ولن تنجح لتباعد المسافات بينهما ، فالجماعة الإسلامية التي نادت بالدعوة والإصلاح والعمل الخيري وطرحت برامج التحرير والحشد واتخذت مبدأ " واعدوا " لاسترداد الأرض المغتصبة ، واستطاعت بناء قاعدة جماهيرية واسعة وجدت في هذا التنظيم بغيتها لتحرير الأرض وإصلاح الحال ، انقلبت تلك الحركة إلى حزب سياسي بعيد كل البعد عن رسالة الدعوة والجهاد والعمل الخيري ، واتجه للعمل السياسي والاستثماري الذي ناله بفعل ما كان يقدم إليه من دعم مالي كبير من قبل الناس عبر صناديق العمل الخيري والزكاة ، ودعم بعض الدول والأصدقاء من خارج البلاد لتغطية برامجهه الدعوية والإصلاحية ، لكنه قام بتوجيهها نحو الاستثمار والتجارة ، فأنشأ إمبراطورية تجارية بلغت حد المليارين دينار أردني ، وراح يبتعد شيئا فشيئا عن رسالة الدعوة والإصلاح والتقليل من إعلام الجهاد والتحرير التي كانت العربة التي حملتهم إلى قلوب الناس ، وانشغل بمعارك سياسية داخلية مع الدولة الأردنية والقوى السياسية الفاعلة ، وبات هو " الخصم الأول " الذي يتصدى للقوى السياسية في النقابات العمالية والمهنية ليس لأهداف دعوية دينية خالصة ، بل لأهداف سياسية بحتة كان عنوانها التطبيع مع الغرب الأمريكي حتى لو كان ذلك يستدعي مواجهة مع الدولة الأردنية التي صنعت منهم وعلى مدار عقود طويلة تنظيما سياسيا كبيرا ، ففعلوا بالدولة الأردنية ما فعله الذي تعلم الرماية ورمى معلمه ، مما استدعى مواجهة بين الدولة والأخوان تطورت إلى " إفشال " وإسقاط كل من يقترب من دعواهم ، وحكومة الخصاونه شاهد على هذه السياسة وما آلت إليه في النهاية .
ومن هنا ، فلا يمكن أن تركب في عقل مسلم أن الحركة الإسلامية ترفض حوارا مع الدولة الأردنية فيما تسرح وتمرح بحوارها وتشكو همها إلى السفراء الغربيين ذوي الأصول الصليبية والاستعمارية واليهودية المعادية للأمة وتاريخها ودينها كما كانت تقول أدبياتهم بحق أولئك الناس ، فالغرب لم يعاد العرب لأنهم عرب ، بل عاداهم لأنهم مسلمون أصحاب رسالة لا أكثر ، ولأنهم أصحاب برنامج سياسي ونهضوي ، فغاب عن الإسلاميين أنهم بذلك يقدمون أنفسهم كتنظيم "عربي " وليس إسلامي لا يملك أي مشروع نهضوي للأمة ، وأن ما قيل عن مشروعهم التحرري والنهضوي وبعث الأمة من جديد ذهب مع ريح التطورات والتحولات الجارية في العالم ، وأن الرسالة الخالدة للإسلام اختصرت في إمكانية الحصول على بضع مقاعد برلمانية وحكومية ولو كانت على حساب الدين والمبدأ والعقيدة ،وهذا أصلا ما دعا الغرب لفتح الحوارات معهم ، بعد أن شعروا أن تلك الحركات الإسلامية نزعت عن جسدها كل ما يتعلق برسالة الإسلام والعقيدة والمنهج الرباني الذي تمسكوا به شكلا لتسويق أنفسهم بين الناس ، ففشل " الإسلام " العربي حين مزج بين السياسة المرتبطة بالمصالح الضيقة والمكاسب الدنيوية ، وبين الدعوة والجهاد والتحرير والرباط والحشد ، فيما نجح الإسلام " العجمي " سواء في تركيا أو ماليزيا أو غيرها من البلاد الإسلامية ، لأنهم استطاعوا التمييز و التفريق بين السياسة والدعوة وتقديم الدعوة على السياسي في غالب برامجهم وسياساتهم ، فكانوا أكثر طهرا وأعمق نقاوة ممن فقدوا طريق الحق والتحقوا بركب السياسة تاركين الدعوة والإصلاح مجرد شعارات تجمع لهم المال وتستمر بتضليل الناس والتفافهم حولهم . ومن يقول غير ذلك فليقنعنا بجدوى وأسباب الحوار مع الغرب ، فهل تعتبر هرولة الإسلاميين نحو السفارات وبيوت السفراء الغربيين لدعوتهم الى الإسلام ، أو طلب مساعدتهم لنشر الدين الإسلامي وإقامة حكم الله في الأرض ! ومساعدتهم في الإعداد والتجهيز والتسليح لاسترداد الأرض المغتصبة ! أم هو استقواء ينشده الإسلاميون من تلك السفارات على بلادهم وشعبهم ، وكبرت في رأسهم " خديعة " أن الغرب قد يقبل بهم حكاما للبلاد!!
لم يتمكن أحد من تسجيل انتصار على تلك المجموعات الدينية الخالصة لدينها حين كانت تسمو فوق كل مصلحة دنيوية ، وحين كانت الدنيا بالنسبة إليهم ممر وليس مقر ، فنجح الإسلاميون في الدول غير العربية ، وفشلوا في البلاد العربية ، فقد تبدلت الأفكار وتلونت هنا ، وأذكر أنهم كانوا يلقموننا ونحن على مقاعد الدراسة وفي المسجد أن الدنيا هي الدنو والانخفاض ومتاع الغرور ، وكانوا يطلبون منا حفظ الآيات الكريمة التي تقول : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الأنعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ، وتعرضت هذه الحركة الى تطورات دراماتيكية مخالفة لمنهج ألبنا وسيد قطب حين باتت المصلحة تسمو فوق الدين ،( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) ، ليس لأنهم يرتدون عباءة الدين ويدّعون به ، لا ، بل لأنهم مازجوا بين الدين والسياسة وغلبت السياسة على ذلك المزيج حين تقدمت المصلحة والمنافع ودخلوا في تجارة واستثمار وأحلام الحكم والسلطة : ( وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ) حين أعجبتهم فكرة الحكم والمناصب والثروة والسلطة التي لوحت بها بعض الدول الغربية بإمكانية حدوثها في العالم العربي على يد الإسلاميين أنفسهم إن تبدلت أفكارهم وشاركوا تلك الدول حربها على الإرهاب ( الإسلام ) ، وكانوا يعتبرون الحكم مطلبا دنيويا خالفهم به زكي بني ارشيد بالقول أن لديهم القدرة لإنقاذ البلاد من أزمتها إن تولوا الحكومة !! ، فما الذي جرى وتطور على فكر الإخوان بعد مسلسل التنازلات الذي يقدمونه ليس لشعوبهم وأنظمتهم من أجل الحفاظ على أمن واستقرار البلاد ، بل إلى أعدائهم التاريخيين كما يدّعون ! وإن كانت الحركة قد اعتذرت للشعب الأردني وعلى لسان أحد قادتها في جمعة الوطن أول أمس بسبب مغادرتها حراك الإصلاح وملاحقة الفساد سعيا وراء " الخصاونه " طيلة فترة وزارته للحصول على مكاسب سياسية سرعان ما تبخرت برحيل الرجل ، فأن الأمر يحتاج الى تقييم شامل لأداء الإخوان وتمسكهم بمطالب الشعب الإصلاحية للحفاظ على الوطن وحمايته ، والبعد عن السعي والهرولة وراء مصالح سياسية قد تحصل وقد لا تحصل ، إن أرادوا نقاوة " فكر الدعوة والإستعداد للتحرير الذي ضللوا به أناس كثر ...