"أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً". بقدر ما تبعث تلك المقولة السائدة بين العامة الطمأنينة ورفع الحرج عن النفوس القلقة من إثم التأخر عن المواعيد المقدسة، فإنها تستبطن تمجيد تلك الظاهرة وامتداح الصفة والموصوف، بعد أن يجري غسلهما بمسحوق غسيل فعّال، كما الأموال التي يتم تداولها في الأسواق، دون حرج بعد تبييضها، فيغدو حينها التأخر محمدة في نهاية إثم المثلبة.
أقول هذا، وأنا أستمع إلى تلك المساءلة الجسورة من أعضاء مجلس العموم البريطاني المحترمين أمس، لوزير الخارجية ديفيد لامي الذي خرج على مألوف الخطاب الرسمي للمملكة المتحدة، بلغة بدت خشنة تجاه إسرائيل وأفعالها الفاضحة المشينة في غزة، موجهاً انتقادات شديدة اللهجة، وصف فيها تصريحات سموتريش وإجراءاته بالوحشية، ومتوعداً باتخاذ المزيد من الإجراءات والتدابير الردعية ضد الدولة المارقة.
على أهمية تلك التصريحات، وما سبقها من بيان بريطاني فرنسي كندي شجاع في توصيف الفظائع والجرائم المرتكبة في قطاع غزة، فإن تقييمنا لتلك المواقف الجريئة يبقى رهناً بالنتائج المترتبة عنها، ومدى استجابة إسرائيل لها بوقف قتلها اليومي للأطفال، وإبادة العائلات بالقنابل تارة، وطوراً بالتجويع ومنع إدخال المساعدات.
انزعاج ترمب وإحباطه من نتنياهو، كما قيل أمس، لا يغسل يديّ صاحب "مشروع الريفييرا" على أنقاض المنازل وأشلاء الأطفال في القطاع، من إثم شراكته في الجريمة المدوّية التي كشف جنرال إسرائيلي متقاعد أمس بأن الجنود الإسرائيليين يمارسون قتل الأطفال كهواية، وهي الحقيقة المعروفة منذ اليوم الأول للمقتلة، باستدعاء نتنياهو خطاب "العماليق"، وبعده "عربات جدعون" التي تجوس الديار في غزة الآن بحمولتها الأيديولوجية الغارقة في الأصولية التوراتية الفاضحة، الداعية لارتكاب جرائم القتل والتهجير والتجويع والترويع للأطفال والنساء والشبان والشيوخ، والقضاء على الحرث والنسل، وعدم إبقاء حجر على حجر في غزة المنكوبة المصلوبة على أعواد المحرقة.