أعلن الناطق العسكري رسمياً البدء في حملة "عربات جدعون”، لكن سكان قطاع غزة لم يحتاجوا لبيان لمعرفة أن ضربة البداية باتت في ذروتها. فحسب مصادر طبية في القطاع، قتل الجيش الإسرائيلي في ساعات الصباح المبكرة 125 فلسطينياً حسب التقارير، وكان القصف الجوي موجهاً إلى "مخازن وسائل القتال” أو "مواقع الإطلاق” بل أيضاً لأحياء سكنية مكتظة، ومنازل وحتى خيام نازحين.
منذ الأسبوع الماضي، وعدد القتلى بارتفاع حاد في القطاع. ولئن بلغ منذ أيام الأحد حتى الثلاثاء 20 حتى 50 قتيلاً في اليوم، فقد قتل الأربعاء 70 شخصاً على الأقل، والخميس 120 على الأقل، وفي نهاية الأسبوع أحصي أكثر من 100 قتيل كل يوم. وحسب مصادر صحية في القطاع، فإن الأغلبية الساحقة مدنيون، بينهم نساء وأطفال.
لم يعد ممكناً التسليم بما تفعله إسرائيل في قطاع غزة. فقد قال النائب تسفي سوكوت يوم الجمعة: "الكل اعتاد على قتل 100 غزي في ليلة واحدة، وهذا لا يهم أحداً في العالم”. لشدة الرعب، لم يقل سوكوت هذا كنداء أخلاقي للصحوة، بل كتبرير لحاجة "المواصلة والحسم”. وهذا ليس نزعاً للإنسانية بل تلبد أخلاقي مطلق.
القتل المباشر ليس سبب الموت الوحيد في القطاع. حسب منظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة، يتعاظم الخوف من انهيار تام في المنظومة الإنسانية هناك، لدرجة خطر الجوع الجماهيري. العالم الغربي والعالم العربي على حد سواء يعربان عن قلق متزايد، لكن إسرائيل تتمسك بموقفها: مزيد من القوة، من الضغط، من الدم، التصفية، "الضرر الجانبي”. حتى متى؟ متى يكفي؟
وكأنه يهزأ بالأمل، نشر البيان الرسمي عن انطلاق "عربات جدعون” على الدرب بعد بضع ساعات من إعلان رئيس الوزراء نتنياهو بأن فريق المفاوضات الإسرائيلي يعمل في قطر كي يستنفد كل احتمال لصفقة تعيد المخطوفين "سواء حسب منحى ويتكوف أم في إطار إنهاء القتال”. عملياً، لا تزال الحكومة مصرة على منحى غير قابل للتطبيق، فيما يوضح وزير الأمن القومي بن غفير بأن "أي منحى لإنهاء الحرب دون حسم حماس، لن يقوم ولن يكون”.
تقف إسرائيل في مفترق. طريق واحد يؤدي إلى توسيع الحرب. التضحية بالمخطوفين، وتفاقم الجوع، واستمرار قتل آلاف الأبرياء بينهم أطفال، وتخطيط ترحيل جماعي، وعزلة دولية وإفساد أخلاقي. أما الطريق الثاني فيؤدي إلى صفقة شاملة لإعادة كل المخطوفين، وإنهاء القتال، وسحب قوات الجيش الإسرائيلي، ومساعدة إنسانية، وترميم قطاع غزة وتعاون دبلوماسي دولي لتغيير عميق في المنطقة، بما في ذلك المسألة الفلسطينية.
ليس لإسرائيل مستقبل إلا بطريق واحد.