أخبار البلد -
بتصريحه الواضح حول محددات نجاح خطة كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة
والجامعة العربية لسورية قطع السيد لافروف وزير خارجية روسيا الطريق على كل
التفسيرات والاجتهادات الخاطئة تجاه الحل والطريق المؤدي إليه من دون لف
أو دوران.
قال وزير خارجية روسيا الاتحادية في سياق رده على الصحفيين أثناء المؤتمر
الصحفي الذي عقده مع نظيره السوري وليد المعلم في موسكو: إن عدم التزام
المعارضة بوقف إطلاق النار واستمرارها في القتال يعني أنها من يعرقل الحل
وهي وحدها من يتحمل مسؤولية إخفاق خطة السيد كوفي أنان في هذه الحالة.
قبل هذا التصريح الحازم كانت دوائر غربية وعربية عديدة تعتقد وتروج أن خطة
أنان تساوي سحب الجيش السوري أسلحته الثقيلة وعناصره من المدن والبلدات،
الأمر الذي يعني إخلاء الطريق للمسلحين و«الجيش الحر» لمعاودة الاستيلاء
عليها وممارسة سلطة غير شرعية فيها.
كما أن التصريحات التي أطلقها السيد أنان ذاته أوحت بشيء من هذا القبيل
وكأنما الحل ووقف العنف بيد الدولة وتقرره قواتها وليس هناك طرف آخر يجب
عليه الالتزام، الأمر الذي يعيدنا للمربع الأول في تحليل وتوصيف ما يجري في
سورية منذ ما يزيد عن السنة ويخلق أزمة جديدة تضاف لجملة التعقيدات
والصعوبات التي تواجهها خطة أنان في هذا الإطار.
الخطة السداسية التي أقرها بيان مجلس الأمن وقبلتها كل الأطراف الدولية
وأعلنت الحكومة السورية موافقتها عليها من غير تحفظ تعتمد أساساً على وقف
العنف أي وقف القتال من جميع الأطراف واحترام سيادة الدولة وولايتها
الشرعية على كل أراضيها، وبأن الحل يجب أن يكون بقيادة سورية، وهذا يعني أن
تتوافر آلية واضحة لتطبيق الخطة، وبروتوكول تعاون وتنسيق بين الحكومة
السورية والسيد أنان يحدد شروط وأساليب مراقبة وقف إطلاق النار، إضافة إلى
عدد المراقبين وصلاحياتهم ووسائل توفير الحماية لهم، وخاصة أنهم لن يكونوا
مسلحين أو مخولين بإطلاق النار في حال تعرضهم للاعتداء من جانب المسلحين
وغيرهم.
السيد لافروف وضع النقاط على حروف الخطة غير الواضحة حين نبه وحذر من
تعطيلها عبر خرق الهدنة ووقف النار من جهة المعارضة، وهذا يعني أن الرجل
حصل على ضمانات من الوزير وليد المعلم بالتزام وقف النار وتطبيق ما تنص
عليه الخطة، وقد اتضح ذلك جلياً بإعلان سورية رسمياً وقف إطلاق النار بدءاً
من صباح الخميس 12/4/2012 في كل المناطق، والاستثناء يتعلق بممارسة حق
الدفاع عن النفس وعن المدنيين في حال استمر القتال من جانب «الجيش الحر» أو
المجموعات المسلحة التي لا مرجعية لها.
ولأن الشيء بالشيء يذكر نعيد للأذهان تصريحات أطلقها ولا يزال وزير خارجية
دويلة قطر حمد بن جاسم وزميله في مملكة آل سعود حول تسليح المعارضة ودعمها
للاستمرار في قتال السلطات في بلادها وتأجيج نار الحقد والبغضاء عبر وسيلة
إعلامهم القذرة في قناة «الجزيرة»، وقناة «العربية» اللتين تبثان سمومهما
في الجسد السوري المثخن بالجراح ليل نهار.
إن المقارنة بين تصريحات دولة عظمى تستطيع التصدي للعنجهية الأميركية
وتمارس حق النقض (الفيتو) مرتين في مجلس الأمن لحماية سورية من الدمار
وتصريحات أحد عملاء واشنطن وخادمها الأمين هي وربيبتها «إسرائيل» تظهر كم
أن هذا الزمن العربي رديء، وكم من السخرية تحمل تلك المقارنة في كل الأحوال
وعلى كل الوجوه.
إن زمناً يقرر فيه رعاة الإبل مصير أوطاننا ومستقبل أجيالنا لا يمكن أن
يكون ربيعاً أو حتى خريفاً، بل هو مؤشر على انقلاب القيم والمفاهيم العظيمة
لأمتنا، لكنه كذلك مؤشر على نهاية وشيكة لكل العار الذي ألحقه هؤلاء
بأمتنا على مدار تاريخ أنظمة حكمهم القروسطية منذ انتهاء الحرب العالمية
الأولى في القرن المنصرم.
خطة أنان يلزمها الحديث الواضح والمستقيم حول إبعاد هؤلاء الذين يكثرون
الحديث عن الديمقراطية في الوقت الذي لا يعرفون فيه معناها ولا يطبقون أبسط
مظاهرها في بلدانهم، والأهم غل يدهم عن إلحاق الأذى بالخطة عبر استمرار
عمليات التسليح والتجييش التي نعرف ويعرفون أنها ستؤدي لحرب أهلية ووقوع
المزيد من القتلى والمزيد من الدمار.
ولإكمال دائرة الوضوح ووضع حاجز أمام عمليات اللف والدوران الجارية حول خطة
أنان يلزم أن يبذل المبعوث الدولي مزيداً من الجهد من أجل خلق الثقة
وتعزيز لغة العقل بين كل أطراف الصراع وإيجاد صيغة للتعامل الحازم مع
الساعين لتخريب الحل وردعهم سواء أكانوا من المجموعات الخارجة عن القانون
أو الدول المساهمة في تأجيج هذا الصراع.
إنها ساعة الحقيقة وسيتضح قريباً من الأحرص على وحدة سورية وعروبتها ومنع
التدخل الأجنبي فيها؟ ومن الذي يعمل لتخريبها وإضعافها ومنحها لقمة سائغة
للأميركان وحلفائهم؟