هبة الحاج- كان حزب "إرادة" أحد أكثر الأحزاب الجديدة قدرة على إقناع الناس، واستقطاب الجماهير، وحشد المستويات السياسية المختلفة راهن عليه الكثيرون باعتباره مشروعًا سياسيًا واعدًا قادرًا على تحقيق اختراق حقيقي في المشهد الحزبي الأردني، بل إن البعض اعتبره النموذج الأنجح لمخرجات مشروع التحديث السياسي الذي أطلقه الملك عبد الله الثاني لكن، وبعد انتهاء الانتخابات النيابية الأخيرة، جاء الحصاد أقل من التوقعات حصل الحزب على مقاعد برلمانية، نعم، لكنه لم يحقق "الزلزال" السياسي الذي كان يتحدث عنه قياديوه ومع ذلك، لم يكن ذلك أسوأ ما جرى.
كانت الصدمة الأولى مع إعلان الأمين العام للحزب، نضال البطاينة، استقالته الشهيرة، مبررًا ذلك برغبته في التفرغ لأسرته وصحته، في مشهد بدا وكأنه إشارة أولى إلى أن الحزب يواجه أزمة داخلية صامتة وعلى الرغم من محاولات التهدئة، فإن الأيام أثبتت أن البطاينة لم يكن الحلقة الأخيرة في مسلسل الانسحابات.
فلم تمضِ سوى فترة قصيرة حتى جاء الزلزال الثاني: نائب الأمين العام سعود القاضي يقدم استقالته، ولكن هذه المرة كانت الرسالة أكثر وضوحًا وصراحة لم يبرر القاضي استقالته بـ"أسباب شخصية"، بل قرع جرس الإنذار قائلًا بوضوح إن الحزب انحرف عن مساره، وإنه بات يسمع عن "ائتلافات برلمانية حزبية لا تشبه إرادة"، وإن الحزب بدأ "يضمحلّ" نتيجة ما وصفه بـ"المراهقات السياسية"كانت كلماته صادمة، لكنها لم تكن سوى مقدمة لما هو أكبر.
ثم جاء الانفجار الحقيقي: 4 وزراء سابقين من قيادات الحزب يقدّمون استقالاتهم بشكل جماعي، وهم: خالد سيف وزير النقل الأسبق وحازم الناصر، وزير المياه السابق ومالك حداد، وزير النقل الأسبق وعلي الغزاوي، وزير العمل الأسبق لم يكن هؤلاء مجرد أعضاء عاديين، بل كانوا جزءًا من الواجهة القيادية للحزب، ومن الأسماء التي منحت "إرادة" ثقله السياسي ومصداقيته أمام الرأي العام لكنهم، وفي رسالة استقالتهم، أشاروا بوضوح إلى أن الحزب لم يعد يسير وفق ما كانوا يؤمنون به، وأن القرارات أصبحت فردية، وتؤخذ دون الرجوع إلى المؤسسات الحزبية، لا سيما في الأمور المالية والإدارية والتنظيمية، مما تسبب في "تداعيات سلبية أثرت على مسيرة الحزب".
اليوم، يبدو المشهد وكأن مسبحة "إرادة" قد فرطت، وبدأت خرزاتها تتساقط الواحدة تلو الأخرى فما بدأ بانسحاب الأمين العام، تحول إلى موجة استقالات متتالية طالت أبرز قياداته والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل هذه مجرد "أزمة عابرة" يمكن تجاوزها، أم أن الحزب دخل مرحلة التصدع الكبير التي قد تفضي إلى انهياره بالكامل؟
المعطيات تشير إلى أن الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد فالمؤشرات القادمة من داخل الحزب توحي بأن المزيد من القيادات قد تكون في طريقها للخروج، ما يعني أن الأيام القادمة قد تحمل مزيدًا من المفاجآت غير السارة لأنصار "إرادة".
في النهاية، يبدو أن الحزب الذي وُلد كبيرًا، بات مهددًا بأن يتحول إلى تجربة حزبية عابرة، مثل كثير من الأحزاب التي ملأت المشهد السياسي ثم اختفت فجأة فهل يتمكن "إرادة" من إعادة ترتيب صفوفه، أم أنه في طريقه إلى الاندثار؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.