كثيرة كانت الوعود التي قدمها الرئيس ترمب خلال حملته الانتخابية الأخيرة، إلا أن الوعد الذي أعقب إغلاق صناديق الإقتراع كان الأكثر صعوبة، حيث قال: "إذا لم يتم تحرير الرهائن قبل 20 كانون الثاني/يناير الجاري (التاريخ الذي سيدخل فيه للبيت الأبيض) فستكون هناك عواقب جهنمية على الشرق الأوسط".
ومقابل تهديد الرئيس ترمب ووعيده، يصر نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف الحاكم على تحقيق نصر مطلق على الفلسطينيين، الأمر الذي يجعل من المشروع التساؤل: هل ستختلف جهنم ترمب المتوقعة عن جهنم التي عرفها الفلسطينيون على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية؟ وهل هناك ثمة علاقة بين جهنم ترمب الموعودة وغاية نتنياهو في تحقيق نصر مطلق وحاسم على الفلسطينيين؟
وحول جهنم ترمب المتوقعة فقد تناولها المراقبون بكثير من السخرية، لا سيما أن الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، يعيشون حياةً توصف بأنها جهنم بعينها، إذ تلقت غزة على مدى الخمسة عشر شهراً الماضية، ولا تزال، أكثر من مئة ألف طن من المتفجرات أمريكية الصنع، أي بواقع 43 كيلوغراماً تقريباً لكل شخص، وبواقع 278 طناً لكل كيلومتر مربع من مساحة غزة، ما أدى إلى أكثر من مائة وخمسين ألف ضحية من الفلسطينيين بين شهيد وجريح، هذا إذا اقتصرنا احتساب الخسائر على البشر فقط، وفي هذا الشأن ذكرت مجلة لانست الطبية البريطانية المشهورة في تقرير لها نشر في شهر يونيو/حزيران الماضي أنه من المتوقع أن يكون عدد الشهداء نتيجة عدوان الإبادة الإسرائيلي على غزة حتى تاريخ نشر التقرير قد بلغ 186 ألف شهيد.
وفي هذا الشأن، تساءل عاميت سيغال في مقال له نُشر على موقع القناة العبرية (N12) بتاريخ 9-1-2025: كيف يمكن لترمب صنع جحيم فوق هذا الجحيم؟ وفي معرض إجابته نصح سيغال ترمب بعدم إرغام إسرائيل على إدخال المساعدات الإنسانية لغزة كما فعلت وتفعل إدارة بايدن الحالية، ثم السماح لإسرائيل بالسيطرة على جزء من مساحة غزة الجغرافية الصغيرة.
وهنا أضيف على ما قاله سيغال أن ولاية ترمب الثانية، التي ستبدأ بعد أسبوع، لا تبشر بعصر جديد يكون أقل سوءاً من عهد الرئيس بايدن الذي حفر اسم الولايات المتحدة الأمريكية عميقاً في التاريخ ليس كشريك في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني فحسب، بل كفاعل رئيسي في إبادة المبادئ التي يقوم عليها النظام الدولي، وكمدمر للقانون والقيم الناظمة لحقوق البشر في العيش الكريم.
أما فيما يخص الفلسطينيين، فمن المؤكد أن الرئيس ترمب سيذهب في عدائه وتنكره للحقوق الفلسطينية أبعد مما نصحه سيغال، الأمر الذي يمكن الاستدلال عليه من خلال فريقه للعمل المعروفين بمعاداتهم للإسلام والمسلمين والفلسطينيين ولإيران، والأهم لرؤيتهم لفلسطين من خلال الزاوية الإيرانية، الأمر الذي ينطوي على تهديدات جدية للمسجد الأقصى وللضفة الغربية، وكذلك لإيران كدولة شرق أوسطية.
أما حول النصر المطلق الذي تسعى إليه إسرائيل منذ بدء حربها الإبادية على غزة، فمن جهة لم يحدد نتنياهو معايير هذا النصر المطلق، ومن جهة أُخرى يرى كثير من الخبراء في الأمن القومي الإسرائيلي أن النصر المطلق هدف غير قابل للتحقق في الصراع مع الفلسطينيين، وقد ذهب بعضهم إلى القول علناً إن الحرب على غزة قرينة على فشل مقاربة إسرائيل العسكرية.
ما تقدّم يُظهر أن الفلسطينييين في العام الجاري 2025، أي في السنة الأولى من ولاية ترمب، سيكونون بين جحيم ترمب الذي بات واضحاً أنه لن يكسر الفلسطينيين، بالرغم مما ينطوي عليه من أثمان باهظة، ونصر نتنياهو المطلق غير القابل للتحقق، الأمر الذي يُعمق من فشل المقاربات العسكرية لكل من إسرائيل ومعها شريكهتا وحاميهتا الأساسية الولايات المتحدة الأمريكية، ويجبرهم على البحث عن مقاربات أُخرى تنتج حلولاً سياسية يقبل بها الشعب الفلسطيني.