ثمنت مصر مبادرة مجلسي النواب والدولة الليبيين بشأن تشكيل حكومة سياسية جديدة، وإقالة حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس (غرب) التي يقودها عبدالحميد الدبيبة المتمسك بمنصبه.
أكدت مصر موقفها الداعم لخطة مجلسي النواب والدولة بخصوص تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، بما يعني الإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، التي لا تزال تسيطر على مفاصل الحكم في العاصمة طرابلس، وترفض التنازل عنه في إطار أي حل سياسي مرتقب.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير تميم خلاف إن مصر تدعم تشكيل سلطة تنفيذية موحدة في ليبيا، تكون قادرة على تهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وشدد خلاف، في تصريحات تلفزيونية، على أهمية ولاية مجلسي النواب والدولة في قيادة مسيرة الحل السياسي في ليبيا، وذلك من خلال استخدام أدواتهما التشريعية والدستورية لتحقيق الاستقرار في البلاد.
ونوّه المتحدث باسم الخارجية المصرية بأن تحركات الدبلوماسية المصرية تعتمد على مبدأ "الملكية الليبية للحل السياسي”، مؤكدا أن مصر ترفض أي تدخلات خارجية في الشأن الليبي، وتدعو إلى تعزيز الجهود الوطنية لتحقيق المصالحة والاستقرار.
والأسبوع الماضي، قال خلاف إن بلاده تواصل دعم تشكيل سلطة تنفيذية موحدة في ليبيا، تساعد على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما شدد على "ولاية مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في قيادة مسيرة الحل السياسي من خلال أدواتهما التشريعية والدستورية”، مشيرا إلى أن القاهرة "تتابع تطورات الأوضاع في المنطقة، وتتشاور بشأنها مع أصدقائها وشركائها، وتحرص على الحفاظ على علاقاتها التاريخية الأخوية والقوية مع أشقائها في ليبيا، شرقا وغربا وجنوبا.”
واعتبر المسؤول المصري أن "أحد أسباب غياب آفاق التسوية هو أزمة السلطة التنفيذية، وعدم وجود حكومة مركزية موحدة قادرة على بسط السيطرة على جميع أنحاء البلاد”، مؤكدا تمسّك بلاده "بما تضمنه الاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية، بشأن عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن.”
وفي التاسع من يناير الجاري، أكدت مصر وقبرص واليونان، عقب قمة ثلاثية بالقاهرة، ضرورة وجود "حكومة وطنية موحدة جديدة في ليبيا”، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في آن واحد، في إطار عملية سياسية شاملة مملوكة ومدارة من قبل الليبيين.
ورحب البيان الثلاثي "بالتزامات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 نحو إعادة توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية الليبية” وأكد ضرورة إحراز تقدم في المسارات السياسية والأمنية، بما في ذلك الانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية والمرتزقة.
وبحسب أوساط ليبية، فإن سلطات طرابلس تتعمد استفزاز الجانب المصري في الكثير من المناسبات وهو ما لا تتسامح معه القاهرة التي تراقب عن كثب مختلف المواقف الصادرة عن الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي.
وقبل أيام، افتتح رئيس دار الإفتاء التابعة لحكومة الوحدة الوطنية الصادق الغرياني العام 2025 بالدعوة إلى الانتفاض على نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وطالب الغرياني المعزول من قبل مجلس النواب منذ نوفمبر 2014، المصريين وجميع الشعوب الإسلامية والعربية بـ”أن يغضبوا لله وأن يخرجوا خرجة رجل واحد في مظاهرات عارمة للإطاحة وإسقاط نظام السيسي، الذي أشاع الظلم، وأفقر الشعب المصري، وأغرق البلاد في ديون لا أول لها ولا آخر، وأن لا يسمحوا له بالاستمرار في الحكم” وفق زعمه.
ويرى مراقبون أن فتاوى وتصريحات الغرياني ضد مصر ودول الاعتدال العربي لا يمكن فصلها عن توجهات السلطات التنفيذية في طرابلس التي تتولى تأمين الشرعية والتمويل والدعم الإعلامي لدار الإفتاء وتمكينها من السيطرة على مؤسسات التعليم الديني في غرب البلاد.
وفي أغسطس الماضي، أبلغت حكومة الدبيبة مسؤولين في المخابرات المصرية، ضمن العاملين بسفارتها في العاصمة طرابلس، بمغادرة أراضي البلاد فورا، وذلك احتجاجا على استقبال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في القاهرة رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان أسامة حماد، والوفد المرافق له بقيادة مدير عام صندوق التنمية وإعادة الإعمار بلقاسم حفتر.
وتشير مصادر ليبية إلى أن الدبيبة يستعمل محاولاته استفزاز القيادة المصرية لاسترضاء تيار المفتي المعزول وعدد من قيادات الميليشيات وأمراء الحرب ممن يتمسكون بمواقف متشددة ضد مشروع المصالحة الوطنية في ليبيا، ويتمسكون بموقف عدائي ضد سلطات بنغازي والقيادة العامة للجيش الوطني ويعتبرون أن عملية الكرامة التي قادها الجنرال خليفة حفتر منذ العام 2014 بدعم من دول عربية عدة من بينها مصر، كانت بالأساس ضد وصول الإسلاميين إلى الحكم أو البقاء فيه.
وكان الدبيبة زار مصر في سبتمبر 2021، وأنتهت زيارته بأزمة بعد أن تولى فريقه تسريب مجريات الحوار بينه وبين رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما تم اعتباره اعتداء على أنظمة البروتوكول وعلى أخلاقيات السياسة وأعراف العمل الدبلوماسي وإساءة متعمدة للعلاقات بين البلدين الشقيقين، وفي يوليو 2024 أدى الدبيبة زيارة للقاهرة لم يحظ خلالها باستقباله من قبل الرئيس السيسي وهو ما رأى فيه المراقبون موقفا مصريا واضحا من تعنت الدبيبة واستقوائه بالجانب التركي وتبعيته قراراته لتيار الإسلام السياسي في ليبيا والمنطقة.