لم يعد طريق العدسية - البحر الميت مجرد طريق يربط العاصمة عمان بمنطقة الأغوار، بل تحول إلى "طريق الموت" الذي يودع عليه المواطنون أحباءهم ضحايا لحوادث مروعة تتكرر بمرارة، إن الطريق الذي يمتد بمسار جبلي خطر يعاني من إهمال كبير في البنية التحتية، وكأن الأرواح التي تُزهق عليه أصبحت مجرد أرقام تمر على مسامع المسؤولين دون أثر، خلال الأسابيع الماضية شهد هذا الطريق الكارثي حادثة مروعة لتدهور شاحنة انقلبت على سبع مركبات، أودت بحياة ستة أشخاص وأصابت ثلاثة آخرين بجروح بليغة لم تمضِ سوى ساعات حتى شهد الطريق حادثة أخرى أليمة عندما اشتعلت النيران في مركبة سائق آخر، ليفارق الحياة في ظروف قاسية لم تكن هذه الحوادث سوى حلقة في سلسلة طويلة من المآسي التي تفاقمت حتى بات الطريق مصيدة للسيارات وفخًا للمسافرين.
بعد سنوات من الصمت والإهمال، وأعقاب مناشدات عديدة من "أخبار البلد" وضغط شعبي كبير، أعلنت وزارة الأشغال العامة والإسكان بالأمس عن بدء تنفيذ مشروع لإعادة تأهيل جزء من الطريق، بتكلفة تقدر بحوالي 895 ألف دينار، يشمل العمل على إعادة إنشاء 500 متر فقط، مع تحسين نظام تصريف المياه الجوفية والسطحية، ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أن الشكوك تحوم حول ما إذا كانت هذه الإصلاحات المؤقتة ستكفي لحماية أرواح المواطنين أم أنها مجرد استجابة ضيقة للضغط الإعلامي.
يُعرف طريق العدسية بمنعطفاته الحادة، التي تحولت إلى مصيدة قاتلة في ظل غياب إجراءات السلامة، حيث لا توجد حواجز أمان فعّالة ولا إنارة مناسبة، خاصة ليلاً، مما يجعل القيادة فيه كالقفز نحو الهاوية كما أن الطريق يخلو من المهارب الخاصة بالطوارئ، والتي تُعتبر ضرورة لحماية المركبات الكبيرة كالشاحنات التي غالبًا ما تتعرض للتدهور على هذا المسار.
التساؤلات تتزايد حول قدرة مشروع محدود النطاق لتأهيل 500 متر فقط من الطريق على حل مشكلة قديمة ومتجذرة فالمواطنون يتساءلون عما إذا كان هذا الجهد سيُحدث فرقًا حقيقيًا على أرض الواقع، أم أنه مجرد محاولة لتهدئة الرأي العام بعد الحوادث المروعة من الواضح أن الطريق يحتاج إلى استراتيجية شاملة تتضمن إنشاء مهارب للطوارئ، تركيب حواجز أمان في المنعطفات، وتحسين الإنارة على طول الطريق، لا سيما في الأماكن الأكثر خطورة.
مع إطلاق وزارة الأشغال لهذا المشروع المحدود، يبقى السؤال: هل سيشهد الطريق تحولًا فعليًا في السلامة؟ أم أننا سنرى هذا الجهد يتلاشى وسط سلسلة جديدة من الحوادث المؤلمة؟ الطريق يحتاج إلى إرادة حقيقية من جميع الجهات المسؤولة، وتنسيق فعال بين وزارة الأشغال ودوريات السير الخارجية لضبط السرعات ومراقبة الشاحنات الكبيرة.
ختامًا، على الجهات المعنية أن تدرك أن حياة المواطن ليست رهنًا للإهمال أو التسويف، يجب أن يكون مشروع إعادة تأهيل طريق العدسية نقطة انطلاق لحلول جذرية وليس مجرد رقعة مؤقتة، فالمواطنون يستحقون طرقًا آمنة، ويجب أن يكون أمنهم وسلامتهم في صدارة أولويات أي مشروع.