تحاول العديد من الوجهات العالمية مثل موناكو وإيطاليا وسويسرا ودبي جذب الأثرياء من المملكة المتحدة قبل التغييرات المقترحة على نظام الضرائب المثير للجدل في البلاد.
حوالي ثلثي (63%) من المستثمرين الأثرياء قالوا إنهم يخططون لمغادرة المملكة المتحدة في غضون عامين أو "قريبًا" إذا مضت حكومة حزب العمال قدمًا في خططها لإلغاء الامتياز الضريبي المعتمد منذ الحقبة الاستعمارية، فيما قال 67% منهم إنهم لم يكونوا ليهاجروا إلى بريطانيا في المقام الأول، وفقًا لدراسة جديدة أجرتها مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس"، التي تقيّم تداعيات هذه الخطط.
جرس إنذار
نظام الضرائب في المملكة المتحدة للمقيمين غير الدائمين هو قاعدة ضريبية تعود إلى 200 عام، تسمح للأشخاص الذين يعيشون في المملكة المتحدة ولكنهم يقيمون بشكل دائم في مكان آخر بعدم دفع الضرائب على الدخل والأرباح الرأسمالية المكتسبة في الخارج لمدة تصل إلى 15 عامًا. اعتبارًا من عام 2023، يُقدر أن حوالي 74,000 شخصًا يتمتعون بهذه الوضعية، بزيادة عن 68,900 في العام السابق.
حدد حزب العمال الشهر الماضي خططًا لإلغاء هذا الوضع الضريبي، مما يوسع من تعهداته في برنامجه الانتخابي ويزيد من مقترحات الحكومة المحافظة السابقة التي كانت تنوي التخلص التدريجي من النظام بمرور الوقت. يأتي ذلك في الوقت الذي تعهد فيه رئيس الوزراء كير ستارمر بتحقيق المزيد من العدالة وتعزيز المالية العامة، مع توقع إعلانات إضافية في بيان الميزانية الخريفية في 30 أكتوبر.
وقالت وزيرة المالية راشيل ريفز إن إلغاء البرنامج قد يولد 2.6 مليار جنيه إسترليني (3.45 مليار دولار) خلال فترة الحكومة المقبلة. ومع ذلك، تُقدّر أبحاث "أوكسفورد إيكونوميكس"، التي أُجريت هذا الشهر بالتعاون مع مجموعة الضغط "المستثمرين الأجانب في بريطانيا"، أن التغييرات ستكلف دافعي الضرائب مليار جنيه إسترليني بحلول عام 2029/30.
وقال ماكلويد ميلر، الرئيس التنفيذي لمجموعة "المستثمرين الأجانب في بريطانيا"، لـ CNBC عبر الهاتف: "نحن نطلق جرس الإنذار بأن هذا وقت خطير"، مضيفًا: "إذا لم تستمع الحكومة، فإنها ستعرض الإيرادات للخطر على مدى أجيال".
بموجب المقترحات، سيتم إلغاء مفهوم "الموطن" واستبداله بنظام يعتمد على الإقامة، في حين سيتم تقليص عدد السنوات التي تُعفى فيها الأموال المكتسبة في الخارج من الضرائب في المملكة المتحدة من 15 إلى 4 سنوات.
وسيُطلب من الأفراد أيضًا دفع ضريبة الميراث بعد 10 سنوات من الإقامة في المملكة المتحدة، وسيظلون ملزمين بها لمدة 10 سنوات بعد مغادرتهم البلاد. كما سيتم منعهم من تجنب ضريبة الميراث على الأصول المحتفظ بها في الصناديق الاستئمانية.
ومع ذلك، قال ماكلويد ميلر، وهو ممارس في مجال الثروة الخاصة وأطلق مجموعة الضغط استجابةً لهذه المقترحات، إن التغييرات ستعوق توليد الثروة، داعيًا بدلاً من ذلك إلى نظام ضريبي تصاعدي.
ووفقًا لأبحاث "أوكسفورد إيكونوميكس"، التي استطلعت آراء 72 شخصًا غير مقيمين دائمين و42 مستشارًا ضريبيًا يمثلون 952 عميلًا آخرين، قال جميع المشاركين تقريبًا (98%) إنهم سيغادرون المملكة المتحدة في وقت أبكر مما كانوا يخططون له إذا تم تنفيذ الإصلاحات. وأفادت الدراسة بأن الـ72 شخصًا الذين تمت مقابلتهم استثمروا ما مجموعه 118 مليون جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني.
وأشارت الأغلبية (83%) إلى أن ضريبة الميراث على أصولهم في جميع أنحاء العالم كانت الدافع الرئيسي لهم لمغادرة البلاد، بينما أشار 65% إلى التغييرات في ضرائب الدخل والأرباح الرأسمالية.
وجهات الأثرياء البديلة
في الوقت الذي تقوم فيه دول أخرى بتعديل أنظمتها الضريبية لجذب المستثمرين الأثرياء، تُعتبر سويسرا، موناكو، إيطاليا، اليونان، مالطا، دبي، وجزر الباهاما من الوجهات الأكثر جذبًا للأثرياء، بحسب ما قاله الخبراء والوكلاء الذين تحدثت إليهم CNBC.
وقالت هيلينا مويس دي فورتون، المديرة العامة ورئيسة منطقة أوروبا والشرق الأوسط وآسيا في "كريستي للعقارات الدولية"، لـ CNBC: "لدى المستثمرين الأثرياء العديد من الخيارات الآن، والعديد من الدول تتنافس عليهم".
وأوضحت مويس دي فورتون، التي تقدم المشورة للعملاء بشأن الانتقال الدولي، أن خطط حزب العمال كانت آخر تطور سياسي في سلسلة من التطورات التي أضعفت سمعة المملكة المتحدة كملاذ آمن في السنوات الأخيرة.
وقالت: "إنه مجرد ضربة أخرى. لست متأكدة مما إذا كانوا سيغادرون جميعًا، لكنهم بالتأكيد يتساؤلون ويأخذون وقتهم لمعرفة ما يتغير".
ومن المتوقع أن يغادر عدد قياسي من المليونيرات المملكة المتحدة هذا العام، وفقًا لتقرير صدر في يونيو عن شركة "هينلي وشركاه" المتخصصة في استشارات الهجرة، والذي أشار إلى أن الانتخابات العامة في يوليو أضافت إلى حالة عدم الاستقرار السياسي بعد بريكست. وتشير التقديرات إلى أن بريطانيا ستسجل خسارة صافية تبلغ 9,500 شخص من ذوي الثروات العالية في 2024، أي أكثر من ضعف عددهم في العام الماضي والبالغ 4,200.
من بين العروض البديلة المتاحة للأثرياء إعفاءات دائمة من ضريبة الميراث في موناكو ومالطا وجبل طارق، وعدم وجود ضريبة على الدخل أو الأرباح الرأسمالية أو الميراث في دبي. وفي إيطاليا واليونان، تسمح الأنظمة الضريبية الثابتة للأثرياء بتجنب الضرائب على أصولهم العالمية مقابل رسوم سنوية قدرها 100,000 يورو لمدة تصل إلى 15 عامًا.
رفعت إيطاليا الشهر الماضي رسومها إلى 200,000 يورو (223,283 دولارًا) للوافدين الجدد في خطوة قال وزير الاقتصاد إنها تهدف إلى تجنب "التفضيلات المالية" للأثرياء. ومع ذلك، قال ماكلويد ميلر إن النظام سيظل جذابًا للأثرياء حتى مع الزيادة الطفيفة في التكلفة.