منذ تأسيسه، مر الكيان الصهيوني في فلسطين بتطورات سياسية واجتماعية معقدة، عكست في فتراتها المختلفة مزيجا من الأيديولوجيات الصهيونية المختلفة التي تراوحت بين اليسار العلماني واليمين الديني والقومي. لكن العقود الأخيرة شهدت تحولات حادة في مشهدها السياسي، أبرزها الصعود الكثيف لليمين المتطرف وتآكل أي قيم ديمقراطية مزعومة كانت تسوق عادة على أنها من الهوية الوطنية. ويؤشر هذا التحول مرحلة ما-بعد-فاشية في الكيان، حيث تم بأشواط تجاوز المبادئ الفاشية التقليدية نحو شكل جديد من الأيديولوجيا والممارسة السياسية التي تجلب المزيد من الأخطار على الفلسطينيين، والمنطقة –وحتى الكيان نفسه.
تأسس المشروع الاستيطاني في فلسطين على أساس الصهيونية، وهي في حد ذاتها أيديولوجيا قومية يهودية سعت إلى إقامة دولة يهودية استعمارية في فلسطين التاريخية. وانطوت هذه الأيديولوجيا في بداياتها، على الرغم من طابعها القومي، على ما اعتبره البعض عناصر ليبرالية وعلمانية. لكن الصهيونية تخلصت، مع مرور الوقت، من أي عناصر من هذا القبيل، نحو شكل أكثر تطرفا من القومية الدينية الإقصائية.
وجاء التحول الأيديولوجي الأكبر مع صعود اليمين المتطرف، الذي تبنى مواقف أكثر وحشية تجاه الفلسطينيين أصحاب الأرض، ورفض أي حلول سلمية تتضمن تنازلات إقليمية أو سياسية، حتى مع ضآلة هذه التنازلات مقارنة بالتنازلات الفلسطينية. وتجسد هذا التوجه اليميني المتطرف بوضوح في تعزيز سياسات الضم والاستيطان في الضفة الغربية، وسن التشريعات التي تستهدف المواطنين العرب في الداخل الفلسطيني، وحتى محاولات تقويض القضاء وأي مؤسسات توصف بالديمقراطية في داخل الكيان نفسه.
ولم يقتصر هذا التحول على السياسة، بل تعداه إلى المجتمع والثقافة، فأصبح التطرف الديني والقومي أصبح جزءا غالبا من النسيج الاجتماعي للكيان مع تنامي تأثير الحركات الدينية والقومية المتطرفة في الجيش، والمؤسسات التعليمية، والإعلام. وعكس هذا التطور اندفاعا نحو مرحلة «ما-بعد-فاشية»، حيث يتم مزج الأيديولوجيا الفاشية التقليدية بمكونات جديدة لجهة المزيد من التطرف والقمع.
على مستوى الممارسة السياسية، يتحول الكيان الصهيوني نحو شكل من «حكم الاستثناء»، حيث يتم تبرير سن القوانين العنصرية بمصالح الأمن القومي والقومية. وتشكل التشريعات مثل «قانون القومية» الذي يكرس «يهودية الدولة» أدوات تستهدف تقويض حقوق الفلسطينيين والمنظمات الحقوقية.
وإذا كان قد تبقى في السابق بعض التردد إزاء الأراضي الفلسطينية التي احتلت في العام 1967، فقد ذهب أي تردد في انتهاج السياسات الساعية إلى ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وخرق القانون الدولي، بمساعدة «اتفاقات أوسلو» كغطاء والدعم غير المحدود من الولايات المتحدة وحلفائها في العالم والمنطقة. ورافق ذلك تصاعد العمليات العسكرية في غزة والضفة الغربية، واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، واعتماد سياسات العقاب الجماعي، والاعتقالات الإدارية. ومع تكرار الحروب الوحشية على غزة وسياسة «جز العشب» العدوانية، جاءت الحرب الجارية الآن هناك لتفضح الطبيعة الإجرامية الإبادية الشوفينية لهذا الكيان، التي تجاوزت كل شيء نعرفه عن الفاشية.
يطرح التوجه نحو ما-بعد-الفاشية في الكيان تساؤلات جدية حول مصير الفلسطينيين، والعلاقات الإقليمية والدولية –ولحسن الحظ، مستقبل «الدولة» والمجتمع الاستعماري الصهيوني.
على الصعيد الفلسطيني، أدى استمرار السياسات التوسعية والقمعية الصهيونية إلى تدمير أي أمل لدى المتفائلين وأنصار السلام في تحقيق حل الدولتين. ويستفيق الفلسطينيون الآن على حقيقة عبثية أي خيارات غير تصعيد المقاومة المسلحة وكل أدوات النضال، سواء لجهة إحباط المحاولات الدؤوبة لتصفية القضية الفلسطينية، أو ظهور الفلسطينيين كطرف فاعل في الصراع بدلًا من تغييبهم وتهميش وجودهم حيث يكونون بلا صوت ولا فعل.
وعلى صعيد الإقليم، تكشف الاتجاهات التي تجاوزت الفاشية في طبيعة الكيان وممارساته نوع التكوين الذي يتم التسويق لدمجه في الإقليم، وقبوله –أو حتى التحالف معه. ويضع هذا الواقع تحت الاختبارات الأخلاقية والاستراتيجية التي ينطوي عليها تحديد المواقف في الإقليم من العلاقة مع كيان هذه صفاته.
أما بشأن الكيان نفسه، فيقرأ مراقبون وازنون هذا التحول إلى الما-بعد-فاشية على أنه الخطوة الأخيرة نحو النهاية الحتمية للمشروع الاستعماري-الاستيطاني العنصري في فلسطين. ويستدلون على ذلك بمجموعة من المظاهر، أبرزها تعميق الانقسامات داخل مجتمع الكيان نفسه بين اليهود العلمانيين والدينيين، وبين اليهود والعرب، بما يهيئ الأرضية لانفجار صراعات داخلية تقوض ديمومة المشروع.
كما يؤدي هذا المسار بوضوح إلى عزلة دولية متزايدة للكيان، واحتمالات تصاعد الضغوط الدولية والعقوبات، خصوصا من الدول الأوروبية والمنظمات الحقوقية الدولية التي لم تعد تستطيع الدفاع عن هذا الطور المفرط في الوحشية من أطوار الكيان، من دون أن تفقد سلطتها الأخلاقية.
لقد وصل انزلاق الكيان السريع إلى ما-بعد-الفاشية، إلى فضح أي تظاهر بالديمقراطية أو الكمون في موقع الضحية المزعوم، وإظهار جوهر الكيان كنظام سلطوي يقيم ما يعتبره استقراره على القمع والاستبداد والعنصرية والتمييز. وينبغي أن يؤدي هذا الاتجاه، وفق معظم الاعتبارات، إلى تفكك النظام من الداخل ونشوب صراع مدني مدمر.
يُفترض، على المستويات الأخلاقية والاستراتيجية، أن يكون تحديد الموقف من نظام ما بعد فاشي بوضوح سهلا وتلقائيا. إنه يهدد بالتأكيد كل شيء حوله وليس على الضحايا المباشرين، الفلسطينيين، وحدهم. وينطوي استمرار الكيان، بهذا الطور الذي بلغه، في طياته تبعات خطيرة على استقرار المنطقة والعالم بأسره. لذلك، يتحدث كل المهتمين بحماية الإنسانية، كفكرة ووجود، بمن فيهم الكثير جدا من اليهود، عن ضرورة تفكيك النظام الصهيوني الاستعماري العنصري الأميز في ارتكاب جرائم الحرب وقتل الأطفال والإبادة الجماعية والمنسجم في ذلك بطريقة يتعذر شفاؤها، من أجل سلام الإنسانية.
ولم يقتصر هذا التحول على السياسة، بل تعداه إلى المجتمع والثقافة، فأصبح التطرف الديني والقومي أصبح جزءا غالبا من النسيج الاجتماعي للكيان مع تنامي تأثير الحركات الدينية والقومية المتطرفة في الجيش، والمؤسسات التعليمية، والإعلام. وعكس هذا التطور اندفاعا نحو مرحلة «ما-بعد-فاشية»، حيث يتم مزج الأيديولوجيا الفاشية التقليدية بمكونات جديدة لجهة المزيد من التطرف والقمع.
على مستوى الممارسة السياسية، يتحول الكيان الصهيوني نحو شكل من «حكم الاستثناء»، حيث يتم تبرير سن القوانين العنصرية بمصالح الأمن القومي والقومية. وتشكل التشريعات مثل «قانون القومية» الذي يكرس «يهودية الدولة» أدوات تستهدف تقويض حقوق الفلسطينيين والمنظمات الحقوقية.
وإذا كان قد تبقى في السابق بعض التردد إزاء الأراضي الفلسطينية التي احتلت في العام 1967، فقد ذهب أي تردد في انتهاج السياسات الساعية إلى ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وخرق القانون الدولي، بمساعدة «اتفاقات أوسلو» كغطاء والدعم غير المحدود من الولايات المتحدة وحلفائها في العالم والمنطقة. ورافق ذلك تصاعد العمليات العسكرية في غزة والضفة الغربية، واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، واعتماد سياسات العقاب الجماعي، والاعتقالات الإدارية. ومع تكرار الحروب الوحشية على غزة وسياسة «جز العشب» العدوانية، جاءت الحرب الجارية الآن هناك لتفضح الطبيعة الإجرامية الإبادية الشوفينية لهذا الكيان، التي تجاوزت كل شيء نعرفه عن الفاشية.
يطرح التوجه نحو ما-بعد-الفاشية في الكيان تساؤلات جدية حول مصير الفلسطينيين، والعلاقات الإقليمية والدولية –ولحسن الحظ، مستقبل «الدولة» والمجتمع الاستعماري الصهيوني.
على الصعيد الفلسطيني، أدى استمرار السياسات التوسعية والقمعية الصهيونية إلى تدمير أي أمل لدى المتفائلين وأنصار السلام في تحقيق حل الدولتين. ويستفيق الفلسطينيون الآن على حقيقة عبثية أي خيارات غير تصعيد المقاومة المسلحة وكل أدوات النضال، سواء لجهة إحباط المحاولات الدؤوبة لتصفية القضية الفلسطينية، أو ظهور الفلسطينيين كطرف فاعل في الصراع بدلًا من تغييبهم وتهميش وجودهم حيث يكونون بلا صوت ولا فعل.
وعلى صعيد الإقليم، تكشف الاتجاهات التي تجاوزت الفاشية في طبيعة الكيان وممارساته نوع التكوين الذي يتم التسويق لدمجه في الإقليم، وقبوله –أو حتى التحالف معه. ويضع هذا الواقع تحت الاختبارات الأخلاقية والاستراتيجية التي ينطوي عليها تحديد المواقف في الإقليم من العلاقة مع كيان هذه صفاته.
أما بشأن الكيان نفسه، فيقرأ مراقبون وازنون هذا التحول إلى الما-بعد-فاشية على أنه الخطوة الأخيرة نحو النهاية الحتمية للمشروع الاستعماري-الاستيطاني العنصري في فلسطين. ويستدلون على ذلك بمجموعة من المظاهر، أبرزها تعميق الانقسامات داخل مجتمع الكيان نفسه بين اليهود العلمانيين والدينيين، وبين اليهود والعرب، بما يهيئ الأرضية لانفجار صراعات داخلية تقوض ديمومة المشروع.
كما يؤدي هذا المسار بوضوح إلى عزلة دولية متزايدة للكيان، واحتمالات تصاعد الضغوط الدولية والعقوبات، خصوصا من الدول الأوروبية والمنظمات الحقوقية الدولية التي لم تعد تستطيع الدفاع عن هذا الطور المفرط في الوحشية من أطوار الكيان، من دون أن تفقد سلطتها الأخلاقية.
لقد وصل انزلاق الكيان السريع إلى ما-بعد-الفاشية، إلى فضح أي تظاهر بالديمقراطية أو الكمون في موقع الضحية المزعوم، وإظهار جوهر الكيان كنظام سلطوي يقيم ما يعتبره استقراره على القمع والاستبداد والعنصرية والتمييز. وينبغي أن يؤدي هذا الاتجاه، وفق معظم الاعتبارات، إلى تفكك النظام من الداخل ونشوب صراع مدني مدمر.
يُفترض، على المستويات الأخلاقية والاستراتيجية، أن يكون تحديد الموقف من نظام ما بعد فاشي بوضوح سهلا وتلقائيا. إنه يهدد بالتأكيد كل شيء حوله وليس على الضحايا المباشرين، الفلسطينيين، وحدهم. وينطوي استمرار الكيان، بهذا الطور الذي بلغه، في طياته تبعات خطيرة على استقرار المنطقة والعالم بأسره. لذلك، يتحدث كل المهتمين بحماية الإنسانية، كفكرة ووجود، بمن فيهم الكثير جدا من اليهود، عن ضرورة تفكيك النظام الصهيوني الاستعماري العنصري الأميز في ارتكاب جرائم الحرب وقتل الأطفال والإبادة الجماعية والمنسجم في ذلك بطريقة يتعذر شفاؤها، من أجل سلام الإنسانية.