ظهر يوم السبت، الخامس والعشرين من مارس/آذار 2017، احتشد عدد كبير من قادة وأعضاء (حماس) في المسجد العمري الكبير أحد أقدم المساجد في قطاع غزة، توافد مئات الحمساويين مع غيرهم من الفلسطينيين من أنحاء القطاع لأداء صلاة الجنازة على القيادي في كتائب الشهيد عز الدين قسام مازن فقها، الذي اغتيل مساء الليلة السابقة بأربع رصاصات مكتومة الصوت في مدخل البناية التي يقطن بها في حي تلِّ الهوى.
كان مازن فقها الأسير المحرر عام 2011، ملاحقا من قبل الحكومة الإسرائيلية بتهم كثيرة؛ أبرزها دوره في تشكيل وقيادة خلايا حماس في الضفة الغربية. وكان فقها جديرا بهذه السُمعة، فقد عرف الاحتلال بأسه قبل أن يعتقله ويحكم عليه بالسجن المؤبد تسع مرات. وبعد أن تحرر فقها ضمن أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، استأنف نضاله هذه المرة من غزة التي أُبعد إليها.
انتهت صلاة الظهر التي تخللها دعاء للشهيد، وأعقبها دخول عشرات الملثمين يحملون جثمان فقها ملفوفًا بعلم حماس الأخضر. بوقار وُضع الجثمان أمام الجمع المحتشد لأداء الصلاة والوداع الأخير. كان الحزن هادئًا، حتى بيان كتائب القسام كان متحفظًا، فغابت اللهجة القوية التي تتحدث عادة عن "زلزلة الأرض تحت أقدام العدو”.
في الصف الثاني بالمسجد الممتلئ عن آخره، جلس قادة حماس، وفي منتصفهم رجل خمسيني معتدل القامة يبدو للقريب منه ضخم الكراديس، ويتراءى للبعيد نحيفا من غير ضعف، يرتدي قميصا مترددا بين البياض والزرقة فوقه بدلة رسمية من غير ربطة عنق، يغلب اللون الفضي على رأسه ولحيته. لم يكن الرجل سوى الأسير المحرر يحيى السنوار، الذي انتُخب قبل شهر واحد من ذلك التاريخ رئيسًا لحركة حماس في قطاع غزة.
كانت عملية الاغتيال تخلصا من مقاوم شرس ورسالة أمنية واضحة للسنوار في بداية مشواره القيادي الجديد، ذات رمزية كبيرة في الصراع الاستخباري بين المقاومة والاحتلال؛ فكأن إسرائيل أرادت استقبال زعيم حماس الجديد بمفاجأة تختبر استعداده للرد، وتؤكد له في الوقت نفسه أن صرامته الأمنية ودهاءه الاستخباري لا يستطيعان منعها من الوصول إلى أهدافها ولو في قعر غزة التي يقود أمنها اللواء توفيق أبو نعيم، الأسير المحرر أحد رفاق السنوار والمقربين منه في قيادة جهاز مجد وفي السجن سنوات.
وما إن مُدّد جسد فقها مكشوف الوجه حتى اندفع قادة الحركة لوداعه. هادئًا من غير اندفاع، انحنى السنوار على رفيقه في السجن تسع سنوات، وقبَّل رأسه، قبل أن يبسط كفه برقة على وجهه وينحني أكثر ليهمس في أذنه بكلمات طالت لثوان، نهض بعدها ليؤدي صلاة الجنازة، ويمسح من عينيه دموعًا خرجت من غير تكلف.
تُرى، ما الذي همس به السنوار في أذن فقها؟ هل ذكره بعهد بينهما؟ هل وعده بالثأر؟ لا نعلم السر، ولن نعلمه على الأرجح، لكن نعرف أن السلطات الأمنية في غزة ألقت القبض خلال أسابيع على ثلاثة فلسطينيين بتهمة تنفيذ عملية الاغتيال والتخابر مع الاحتلال، وحكمت المحكمة العسكرية بإعدامهم شنقًا ورميًا بالرصاص. خفّ التوتر الإسرائيلي من رد مزلزل بعد أن اكتفى السنوار في ذلك الوقت بإعدام العملاء كما كان يفعل منذ بداية مسيرته.
لم يتحمس السنوار حينها للرد المباشر لكن ما حدث بعدها وإلى أن جاء يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كشف لنا عن شخصية لها تركيبتها الخاصة، تخلّقت في ظلمات ثلاث، من سجن المخيم إلى زنزانة الحبس ثم إلى أكبر سجن مفتوح في العالم: قطاع غزة. ثلاثة سجون صنعها الاحتلال الإسرائيلي وصمم فنونها الإخضاعية التي تنوعت كلها لهدف واحد وهو سحق الفلسطينيين.
تتجلى حقيقة السجون الثلاث في الجدران النفسية والثقافية والسياسية، لا المباني العالية الأسوار. وبهذا المعنى، يكون السجن رمزًا، له تجليات في المخيم، والمدينة، وحتى المدرسة! وكل سلطة من سلطات هذه السجون تنتج شكل مقاومتها، وكلما ازدادت السلطة شراسة، ازدادت المقاومة عنادًا، ولعل هذا ما قد يفسر توقيت صعود السنوار لقيادة المكتب السياسي للحركة بعد اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو/تموز 2024.
وهكذا فكل قوة تحمل في جوهرها عنصر فنائها؛ فحين تتولد المقاومة، تبدو كما لو كانت التصرف الوحيد المتناسب مع هذه القوة والمتصالح مع حركة التاريخ.
في المخيم، وفي عتمة السجن، وفي غزة لاحقًا، كان السنوار التعبير الأفصح عن صلابة المقاومة وثراء طرقها، وربما أكثر صورها منطقية. فبينما كان يحيك الاحتلال أدوات التحكم في الزمان والمكان، وتحديد سير الحياة وفق قواعد الانضباط والعقاب في سجونه على اختلافها، كانت شخصية السنوار تنبني وتبني دفاعاتها العنيدة.
هنا نحاول أن نفهم المعدن الذي قُد منه القائد الجديد لحركة حماس يحيى السنوار، وعن الذي فعلته سجون الاحتلال في نفس الرجل الذي اختارته قيادة الحركة بالإجماع رئيسًا لمكتبها السياسي بعد أقل من أسبوع من استشهاد زعيمها. نغوص في رحلته بين المخيم والمعتقل والقطاع المحاصر، ونتساءل ما الذي جعله يتصرف على ذلك النحو الذي أذهل السجان؟ وكيف أوقف العالم على رجل واحدة، واستطاع أن يفرض قواعد جديدة للمعركة رغمًا عن المحتل، والعالم كله، أو "بالخاوة"، وهي الإرغام باللهجة الفلسطينية، كما يحب السنوار أن يردد.
ملاعبة الأفاعي
"كانت غزة جميلة، وهي اليوم جميلة أيضًا. أرأيتِ كم أن شبابنا رائعون؟ هل رأيتِ مواهبهم؟ وإلى أي درجة هم مبدعون ومنفتحون على العالم؟ رغم كل ما يحدث! لقد استطاعت مجموعة من الشباب، باستخدام أجهزة فاكس وحواسيب قديمة، أن يصنعوا طابعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج أدوات طبية يُمنع دخولها إلينا! هذه هي غزة! نحن لسنا أطفالًا فقراء وحفاة! يمكننا أن نكون مثل سنغافورة ودبي. لنجعل الوقت يعمل في صالحنا، ويشفي جراحنا.
لقد سُجنْت لخمس وعشرين سنة، وفقد رفيقي هذا ابنه الذي استُشهد في قصف، وفقد مترجمنا هذا شقيقيه، أما الرجل الذي قدم لك الشاي، فقد توفيت زوجته بسبب عدوى بكتيرية كان بإمكان أي صيدلي أن يعالجها بمضاد حيوي بسيط لم يكن متوفرًا في غزة. هل تعتقدين أن هذه حياة سهلة؟ لنبدأ بوقف إطلاق النار أولًا، دعونا نمنح أطفالنا الحياة التي لم نحظ بها. فمع حياة مختلفة، سيمكنهم أن يبنوا مستقبلًا مختلفًا".
يحيى السنوار – متحدثًا في حوار مع الصحفية الإيطالية فرانشيسكا بوري – أكتوبر/تشرين الأول 2018
ربما لم يكن يحيى السنوار، أو أبو إبراهيم كما يُكنى، يعلم بأن الحوار الصحفي الذي يجريه مع مراسلة صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية، فرانشيسكا بوري، التي تدّعي أنها قضت خمسة أيام في ضيافته، سيُنشر على صفحات صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
لذلك فقد سارع مكتبه وهو رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة بإصدار توضيح لنفي أن يكون السنوار قد تحدث مباشرة إلى الصحيفة الإسرائيلية، فمصادر حماس تقول إن الصحفية الإيطالية لم تقض سوى زيارتين قصيرتين في غزة، واحدة لترتيب اللقاء، والثانية للحصول على أجوبة السنوار على أسئلتها.
لكن الصدى الذي أحدثه الحوار في الدوائر الإسرائيلية كان أكبر من أن يطغى عليه نفي أو توضيح. فقد رسمت بوري صورة شديدة الاختلاف عما كان يتصدر الصحافة، والإعلام، وحتى مناهج الدراسة التي تتناول حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة.
ففي الحوار الذي لم ينطق فيه السنوار كلمة "إسرائيل"، واستعاض بدلًا عنها بكلمات مثل "الجيش"، أو "حكومة نتنياهو"، أو "الجانب الآخر"، وبالتأكيد: "الاحتلال"، لم يتحدث مطلقًا عن عداء "لليهود"، وكذلك لم يستخدم لفظ "الكيان الصهيوني". ورغم أن موقفًا مثل تجنب ذكر "إسرائيل" قد يجذب نقدًا غربيًّا، فإن ما قاله السنوار كان أهم كثيرًا مما لم يقله.
فلأول مرة تقدم الصحافة الإسرائيلية قائد حماس في غزة باعتباره شخصًا يكره الحرب، ويريد السلام، ويسعى للتهدئة وتغيير الواقع إلى الأفضل، ويعترف بتشكيل السجن لشخصيته لكنه لا يتمنى السجن لألد أعدائه، بمن فيهم "أولئك الذين يوقعون بنا مثل قطع البولينغ بينما يضحكون، غير مدركين أن المطاف قد ينتهي بهم بعد 25 سنة في محكمة العدل في لاهاي".
نفى مكتب السنوار حديثه إلى الصحيفة الإسرائيلية، لكنه لم ينف أيًّا من التصريحات التي نُسبت إليه. فقد قال إنه لا يريد حربًا أخرى مع إسرائيل، وهو الأمر الذي علقت عليه صحيفة جيروزاليم بوست بالقول إنه ليس جديدًا، فعلى مدار الأشهر التي سبقت الحوار، قالت الصحيفة، إن عددًا من قادة حماس قالوا إنهم لا يسعون إلى حرب أخرى مع إسرائيل، كما أن ممثلي المخابرات المصرية ومبعوثي الأمم المتحدة أكدوا أن مفاوضي حماس كرروا نفس الرسالة: "ما نريده ليس الحرب، بل رفع الحصار عن قطاع غزة".
التقط الساسة الإسرائيليون طرف الخيط، وقال محللون إن السنوار يرجو أن يلتفت نتنياهو إليه للحوار بدلًا من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن). لكن لم يكن كل الإسرائيليين على قلب رجل واحد، فقد ظلت شخصية السنوار محل دراسة وتحليل لدى إسرائيل.
فبعد شهر واحد من الحوار اختبر الإسرائيليون قيادة السنوار في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حيث حاولت قوة عسكرية إسرائيلية تابعة لوحدة النخبة "سيرات متكال" تنفيذ عملية سرية في خان يونس، مسقط رأس السنوار، باستخدام سيارة مدنية يقودها جنود بعضهم يرتدي أزياء نسائية. اكتشف القيادي في كتائب القسام "نور الدين بركة" الوحدة، وقتل الضابط المسؤول عنها، فأطلق عليه جنود الاحتلال النار من سلاح كاتم للصوت ليستشهد، قبل أن يطارد مقاومو كتائب القسام وألوية الناصر صلاح الدين، الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية، السيارة التي هرب راكبوها عبر طائرة مروحية كانت تنتظرهم في بستان زيتون قريب.
أطلقت المدفعية وسلاح الجو الإسرائيلي، النار للتغطية على انسحاب الجنود، وقتلت ستة فلسطينيين، فردت المقاومة بإطلاق صواريخ لتبدأ موجة اشتباكات استمرت يومين، قبل أن يتدخل المصريون، ويطلب رئيس المخابرات عباس كامل من السنوار وحماس ضبط النفس، والوصول إلى تهدئة. توصل الطرفان إلى وقف لإطلاق النار، أعقبته استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان، احتجاجًا "على الاستسلام للإرهابيين".
لم تؤثر استقالة ليبرمان في قرار تل أبيب المُضي قُدمًا في الهدنة، فقد اقتنع الإسرائيليون أخيرًا بعدم رغبة حماس في الدخول في مواجهة جديدة! وبدت عملية خان يونس كأنها كانت تأكيدًا، لا لقواعد الاشتباك التي يتوقعها الإسرائيليون فحسب، بل للوائح السجن الكبير، التي وُضعت لتنظم الطعام والعمل والمال، وبالطبع: الحرب والهدنة.
وهي نفس اللوائح التي تطبقها إسرائيل في قطاعات واسعة من الضفة الغربية. ولعل هذا ما أغاظ ليبرمان، فالاستسلام الذي تحدث عنه كان القبول الإسرائيلي بقواعد اشتباك جديدة، ولوائح مختلفة، تحدد فيها المقاومة طبيعة الرد على الانتهاكات، ويقوم فيها من يمكن وصفهم بنزلاء سجن غزة المفتوح، لأول مرة، بإرباك حسابات عدوهم طويلة الأمد.
لكن قادة حماس كانوا قد أتقنوا لعب دور المنضبط بالسقف والحدود. فلم يكن الاقتناع الإسرائيلي نتيجة تصريحات السنوار فحسب، فقد عملت حماس على إرسال رسائل خداعية تؤكد أنه، حتى لو أراد السنوار التصعيد، فلن يستطيع إقناع الحركة بمستوياتها المختلفة ببدء حرب على إسرائيل.
كما نجح السنوار في إيهام الاحتلال بأن من يمكن أن نصفهم بنزلاء سجن غزة ملتزمون باللائحة غير المكتوبة التي يعيش بها بنو جلدتهم في الضفة الغربية.
ففي تصريح لعضو المكتب السياسي لحماس، صلاح البردويل، قال لمراسل صحيفة لو فيغارو الفرنسية، بعد شهر من انتخاب السنوار رئيسًا للحركة في غزة عام 2017، إن الخط السياسي لحماس هو ما يحكم السنوار وليس العكس، وعقد مقارنة مفاجئة بين السنوار وبين ليبرمان قائلًا: "تذكر ليبرمان، لقد وعد أن يحرق غزة عندما كان في المعارضة، لكنه هدأ تمامًا بعد أن انضم إلى الحكومة وزيرًا للدفاع". وتابع البردويل في ابتسامة ذات مغزى: "يمكنك توقع المثل في حالة يحيى السنوار".
في مهرجان تأبين الشهيد نور الدين بركة ورفاقه، وقف السنوار شاكرًا المانحين على دعم الشعب الفلسطيني في غزة، وليعدد كيف استفاد القطاع وأهله وفقراؤه من الدعم الذي وصل غزة، متسائلًا "ماذا ظن العدو حينما سمح بإدخال الدولار والسولار؟ هل ظنوا أننا نبيع الدم؟!" وتابع الرجل مقتبسًا آيات قرآنية على لسان نبي الله سليمان: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ؟!... ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
لم يصدق الإسرائيليون تهديد السنوار عندما كان عليهم تصديقه.
فقد كان تقدير الأجهزة الأمنية أن السنوار يريد التركيز على الحكم لا القتال، وله في السلطة الفلسطينية أسوة حسنة، وهو ما حدا بتلك الأجهزة والجيش إلى تقليل جهود الرقابة على سجن غزة، والاعتماد على التقنيات الكسولة والمجسات الحرارية والإلكترونية لرصد الحركة، بل ونقل الجنود من حدود غزة لحماية مستوطنات الضفة الغربية.
رأى المحللون الإسرائيليون في إيران وسوريا تهديدًا وجوديًّا لم يروه في الفلسطينيين، كما قالت المحللة شين آرتزي سرور في صحيفة يديعوت أحرونوت.
اطمأن السجان لخضوع السجين، وعزز من ذلك ما تمكن السنوار من فعله عبر وساطة السلطة الفلسطينية، من إقناع الإسرائيليين بإعطاء تصاريح عمل داخل دولة الاحتلال لأكثر من 18 ألف مواطن فلسطيني في غزة ليعملوا هناك باليومية، وهو الأمر الذي أعطى الإسرائيليين انطباعًا آخر عن طموحات السنوار في إدارة غزة، ووفَّر للسنوار كمًّا هائلا متجددا من المعلومات عن الداخل الإسرائيلي وخرائطه.
يقول الإسرائيليون إن السنوار كان قد أرسل برسالة مكتوبة في أغسطس/آب، دسها بين أوراق المفاوضات، من كلمتين فقط بالعبرية عبر الوسطاء المصريين إلى نتنياهو يدعوه فيها إلى "مخاطرة محسوبة" مقتضاها التوصل إلى هدنة طويلة الأمد تتنفس غزة فيها الصعداء اقتصاديًّا.
اعتمدت حركة حماس تحت قيادة السنوار في غزة خيار الصبر الاستراتيجي. ففي الوقت الذي كانت فيه قواعد الحركة وكتائب القسام تضغط على قيادتها من أجل الرد، كان السنوار يبشر برد قادم. يقول باسم نعيم، وزير الصحة الأسبق في الحكومة الفلسطينية، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس، إن السنوار كان يهيئ الجميع لحدث جلل، ويجيب المطالبين بالتصعيد، بقوله:
"اصبروا، سنوقف الأرض على رجل واحدة".
وبينما كانت عيون العالم مشدودة نحو العاصمة القطرية الدوحة لمتابعة مباراة نصف نهائي كأس العالم بين المغرب وفرنسا يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، كان السنوار يستعرض فريقه ويمهد أرض الملعب ليسجل أهدافه في مرمى إسرائيل على طريقته المفضلة.
ففي خطاب ذكرى انطلاقة حركة حماس الخامسة والثلاثين، الذي أعطته الحركة عنوان "آتون بطوفان هادر!" ولم تنتبه الصحف العالمية لقيمته إلا بعد عشرة أشهر مع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بدأ السنوار، فيما يشبه حالة وجد صوفي، يستذكر نعم الله عليه وعلى قادة وأعضاء حركة حماس "الذين كان يتخطفهم الشاباك الإسرائيلي من غرف نومهم"، وها هم اليوم يخوضون معركة المعلومات الأمنية، ويصنعون سلاحهم، ويطلقون صواريخ "دون عد أو حد" لا مجرد قنابل كلام أو رصاص تهديد.
وكان آخر ما قرع آذان الإسرائيليين من حديث السنوار تأكيده تهمة تلاحقه، قال إنه يتشرف بها، وهي سعيه لرفاهية أهالي غزة وتمكينهم من العيش الكريم، وهو ما أكد للدوائر الإسرائيلية أن السنوار، وحركته، وفصائل المقاومة، قد ارتدعوا بعد أن أدبهم الحصار والحروب المتتالية.
لعب السجين مع السجان، وفاقه براعة ودهاء، ونجح السنوار في زرع فكرة في دماغ نتنياهو عما يريده. أما ما فعله الإسرائيليون في دماغ السنوار، فتلك حكاية أخرى!