يوافق اليوم الأربعاء مرور 10 أشهر على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أدى إلى استشهاد وإصابة ونزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين، بالإضافة إلى أعداد أخرى غير معلومة ما زالت مدفونة تحت ركام المنازل المهدمة.
وطوال هذه الفترة لم تتوقف المظاهرات والفعاليات التي تجوب المدن الأوروبية نصرة للقضية الفلسطينية ودفاعا عن ضحايا المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية.
ووثق المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام (إيبال) أكثر من 22 ألف مظاهرة وفعالية في أكثر من 600 مدينة تمتد على نحو 20 دولة أوروبية، وذلك بعد مرور 10 أشهر على بدء عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
أسباب الاستمرار
يعكس استمرار الفعاليات والمظاهرات طوال هذه الفترة قوة الدوافع التي تحرك المناصرين لحقوق الشعب الفلسطيني، ومقدار الزخم الذي اكتسبته القضية الفلسطينية في وسائل الإعلام الأوروبية، بالإضافة إلى الجهد الذي يبذله النشطاء من أجل حشد الدعم المناهض للعدوان الإسرائيلي.
وأرجع المدير التنفيذي للمركز الأوروبي للإعلام (إيبال) رائد الصلاحات أسباب قوة المظاهرات في أوروبا إلى استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة من دون رقيب أو حساب من قبل المجتمع الدولي، وأن مشاهد الدماء النازفة والأشلاء المبعثرة وسياسة التجويع حركت المناصرين لحقوق الفلسطينيين من مختلف شرائح المجتمع الأوروبي.
وأضاف الصلاحات -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن المشاركين في هذه المظاهرات ليسوا من أبناء الجاليات العربية والمسلمة فقط، بل انضم إليهم كثير من الشعوب الأوروبية الذين يرون مظلومية الشعب الفلسطيني أمام العدوان الإسرائيلي، ومن دون مناصرة القانون الدولي أو تأييد حقوقهم من قبل المجتمع الدولي.
وقال أيضا إن أبناء الشعوب الأوروبية شاهدوا مدى تحيز الساسة الأوروبيين إلى الرواية الإسرائيلية وأن معاناة الفلسطينيين لا تعنيهم، لذلك ستجد المظاهر الشعبية المتضامنة مع فلسطين من أعلام وكوفيات منتشرة جدا في المحلات والنوافذ، في رد فعل شعبي على قرارات القيادة السياسية.
تغير القناعات
ولعل التعمق في أسباب استمرار الحراك المؤيد لفلسطين يخرج بنتيجة مؤداها أن هناك تغيرا في قناعات الشارع الأوروبي نحو دعم القضية الفلسطينية، ويضرب المنسق العام للشبكة الأوروبية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين علي شتيوي مثالا على ذلك بالحالة الألمانية.
إذ يقول شتيوي "إنه لا يمر يوم في برلين إلا وهناك مظاهرة أو وقفة نصرة لأهلنا في قطاع غزة، ويمثل المشاركون فيها مختلف أطياف المجتمع، ومنهم بالطبع الجاليات العربية والإسلامية، لكن العجيب في الأمر أن نحو نصف المشاركين في الفعاليات من أصل ألماني، وهذا هو الشيء الجديد".
ويفسر شتيوي -في مقابلة مع الجزيرة نت- السبب وراء تغير هذه القناعة بأن الفعاليات عندما بدأت في ألمانيا قبل 10 أشهر كانت تُواجَه بالقمع والتضييق نتيجة الإستراتيجية التي اتبعتها السلطات الألمانية في كتم كل صوت يتضامن مع فلسطين، ومنع كل نشاط يدعم حقوق الفلسطينيين.
وأضاف أن "استمرارنا في مختلف الأنشطة الداعمة للقضية الفلسطينية جعلنا نسترجع حقوقنا في التظاهر ورفع الصوت عاليا إسنادا ودعما لشعبنا في فلسطين".
فلسطين في الانتخابات
التحول السابق في تغير قناعة المجتمعات لم يقف عند الأفراد، بل أصبح جزءا من الحراك السياسي والانتخابات الأوروبية المختلفة، فأصبحت القضية الفلسطينية بندا مهما في البرامج الانتخابية، والأمر نفسه بالنسبة إلى الانتهاكات الإسرائيلية.
وهذه التغييرات ليست في مستوى واحد، إذ يقسّمها الرئيس التنفيذي لمركز "إيبال" إلى المستويات التالية:
- أولا-قناعة لدى المجتمعات وبعض القادة بعدالة القضية ومظلومية الشعب الفلسطيني.
- ثانيا-السياسة الأوروبية بحكوماتها لا تعادي إسرائيل، بل يمكن أن تقدم لها الدعم، ومع ذلك تنادي باسترداد حقوق الشعب الفلسطيني.
- ثالثا-مرحلة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كما فعلت بعض الدول.
ويتقاطع المنسق العام للشبكة الأوروبية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين مع الطرح السابق، ويرى أن عديدا من الأحزاب الأوروبية تضع الآن ضمن برامجها الانتخابية مناصرة القضية الفلسطينية ودعمها، مع إبراز الانتهاكات الإسرائيلية، وذلك من أجل تحقيق مكاسب سياسية لدى المجتمعات الأوروبية.
السردية الإسرائيلية
لكن مجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل لم تترك فرصة للنيل من كل داعم للقضية الفلسطينية، حتى لو وصل الأمر للتهديد بالقتل، كما يقول رائد الصلاحات.
وأضاف الصلاحات أن "بعض مجرمي العصابات التابعة للكيان الصهيوني في إيطاليا هددوا -بشكل علني- بالقتل، وتم الاعتداء الجسدي بالفعل على 3 شخصيات مناصرة للشعب الفلسطيني وبشكل مباشر". وهناك حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تروج لهذه الاعتداءات والتهديدات من أجل النيل من الأنشطة والفعاليات التي تدعم الفلسطينيين.
ويعدد شتيوي مظاهر الاعتداءات التي تعرض لها مناصرو القضية الفلسطينية، خاصة في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويقول إن المؤيدين لإسرائيل لم يتركوا لنا مساحة للتعبير عن آرائنا، ومنعوا كل قرار يدعم الفلسطينيين، ومنعوا رفع العلم الفلسطيني أو ارتداء الكوفية أو إظهار أي مظهر يعبر عن تأييد الحق الفلسطيني.
لكن ذلك تغير -كما يقول شتيوي- بعد لجوئنا للقضاء واستمرار نزولنا للشوارع والتظاهر، وتمسكنا بقناعاتنا وحقوقنا، فتراجعت هذه السياسة، حتى إن مدينة دوسلدورف الألمانية وحدها شهدت في مارس/آذار الماضي مظاهرة شارك فيها أكثر من 100 ألف متظاهر، ونحو 50% من المشاركين كانوا من الألمان.