استخدم جيش الاحتلال أسلحة محرمة دولياً، إضافة إلى المتعارف عليه في حربه المتواصلة على غزة منذ أكثر من 10 أشهر، وهو ما ينذر بكارثة صحية وبيئية تهدد مستقبل الحياة في القطاع، خاصة أن هناك حوالي 20 ألف طن من هذه المتفجرات ملقاة في أنحاء متفرقة من القطاع، لم تنفجر حتى الآن، وهي بمثابة قنابل موقوتة معدة للانفجار في أي لحظة في وجه الشجر والحجر والإنسان.
100 ألف طن هو إجمالي المواد المتفجرة التي ألقيت على قطاع غزة منذ بدء العدوان الصهيوني في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حسب مدير إدارة الإمداد والتجهيز في الدفاع المدني في غزة، محمد المغير، الذي أكد أن الاحتلال استخدم قنابل من طراز»MK 80» بمختلف إصداراتها «81، 82، 83، 84» وكذلك قنابل «GPU-39» في قصف وتدمير المباني والمنشآت.
وأوضح لـ«القدس العربي» أن أوزان قنابل MK-80 تتراوح ما بين 750 رطلاو2000 رطل، إذ يتكون حوالي 40٪ من وزن القنبلة من خليط شديد الانفجار، والباقي للهيكل والغلاف المصنوع من الفولاذ، وعند الانفجار تنتشر أجزاء القنبلة على شكل شظايا حادة قادرة على تمزيق الأجساد البشرية والمركبات غير المدرعة على حد سواء، أما قنابل GPU ـ 39 فتزن 250 رطلًا، وهي قنابل صغيرة ودقيقة في اختراق وتدمير الأهداف المحصنة، وتسمح بتركيب رأس حربي من اليورانيوم المنضب المحرم دولياً.
مسؤول الإمداد والتجهيز في غزة، أشار إلى استخدام الاحتلال أسلحة الوقود الحراري أو ما يطلق عليها القنابل الفراغية في استهداف وتدمير المباني ذات التحصينات العالية والأبراج السكنية، وهي قنبلة تستخدم الأكسجين المحيط بها لتوليد انفجار قوي طويل الأمد ذي حرارة عالية على شكل سحابة من الجحيم، وهي قادرة على تدمير المباني المحصنة والمعدات وإذابة البشر.
ووفقاً له، فإنه قد استُخدم نظام JDAM في توجيه قنابل MK بشكل ذكي إلى أهداف بعينها، بغرض قتل أشخاص بعينهم وتفجير منشآت ومرافق حيوية بعينها، مؤكدًا استعانة الاحتلال بـ«اليورانيوم المنضب» في القنابل التي تخترق باطن الأرض «قنابل الوقود الحراري والقنابل الفراغية».
كما لفت إلى أن الاحتلال يستخدم سلاحاً محرماً دولياً يعرف باسم «المتفجرات المعدنية الثقيلة الخاملة» وهي قنابل ما زالت تحت التجربة، تحدث موجة قاتلة في منطقة القصف مباشرة عند انفجار الخليط السام فيها، تعمل على صهر الأجسام وتسممها، وتؤدي إلى تدمير وتلف في الخلايا الداخلية للإنسان المصاب، كما تعرضه للموت في أي لحظة، وقد يؤدي التعرض لها إلى الوفاة بعد عام كامل من الشفاء.
يوجد من 15 إلى 20 ألف طن من القنابل التي ألقاها الاحتلال على قطاع غزة لم تنفجر، حسب المغير، الذي عزا عدم انفجار مخلفات الحرب المنتشرة في كافة أرجاء قطاع غزة، إلى الأخطاء البشرية سواء في عملية التصنيع أو التعامل مع هذه المتفجرات من قبل العنصر البشري (فشل في التوجيه) كما أنه قد توجد أخطاء فنية في الصواعق الخاصة بهذه القنابل.
كيف تؤثر المخلفات؟
وعن تأثيرات تلك المتفجرات على شتى مناحي الحياة في قطاع غزة، أكد المغير أن الأسلحة شديدة الانفجار التي استخدمها جيش الاحتلال في القطاع تؤثر على صحة الإنسان والبنية التحتية وكذلك البنية الزراعية.
وأوضح أن القنابل والمتفجرات الفتاكة تدمر كافة الشبكات التحت أرضية، وهي شبكات المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى تدمير الطرقات والشوارع وشبكات الاتصال، مضيفاً: تؤثر على الصحة البشرية، كونها مرتبطة بانتشار الأمراض الجلدية، والأمراض التي قد تسبب أمراض السرطان على المدى البعيد.
وأشار إلى أن الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب مثل قنابل GPU-30 والقنابل الفراغية، هي أسلحة قادرة على اخترق طبقات التربة والتسبب في حفر قطر الواحدة منها 15 متراً وعمقها يصل من 15 إلى 30 مترًا، ومن ثم ترفع درجة حرارة التربة وتحدث اختراقاً متعدداً فيها، فتتسرب الإشعاعات إلى شبكات المياه، بعد حدوث موجات اهتزازية «تُشبه الزلازل المصغرة» تؤدي إلى تكسير شبكات المياه والصرف الصحي.
وأكد التأثير المباشر للأسلحة المحرمة دوليًا على البنية الزراعية والأراضي، التي تتلوث بمخلفات الصواريخ ومخلفات الاحتلال، موضحاً أن جزءا من هذه المخلفات تقريبا مضر بالحياة البيولوجية، ويؤثر بشكل مباشر على الخزان الجوفي للمياه، وبالتالي التربة تحتاج إلى عمليات تنقية من هذه المخلفات حتى يستطيع الإنسان تحقيق الأمن الزراعي والزراعة.
وحذر من خطورة تسرب الإشعاعات إلى خزانات المياه الجوفية، لأنها تتسرب إلى المحاصيل الزراعية، وتؤدي إلى الإصابة بمختلف أنواع السرطان، مبينًا أن التخلص من الآثار السلبية للإشعاعات على التربة وعلى الزراعات يتطلب سنوات طويلة من المعالجة: «بعض مخلفات الأسلحة مثل اليورانيوم المنضب وبعض المعادن تستقر في التربة لسنوات طويلة، وتنتقل إلى الناس في الغذاء، وهذا خطير جدًا على صحتهم».
رعب بين الغزيين
وتسود حالة من الرعب بين المواطنين في قطاع غزة، إثر تراكم الصواريخ والمواد التي لم تنفجر في شتى أنحاء القطاع، فهم لا يدرون كيف يتعاملون مع تلك المتفجرات الملقاة قرب منازلهم أو في أراضيهم، كما أنهم يخشون تأثيرها على صحتهم أو انفجارها في وجوههم في أي لحظة.
المواطن إلياس البكير يرى خطورة كبيرة في انتشار مخلفات جيش الاحتلال في شتى أنحاء البلاد، كونها تحتوي على مواد خطرة على جسم الإنسان. ويخشى أيضاً تسربها إلى التربة الزراعية، والإضرار بالمحاصيل، ومن ثم إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض مثل الفشل الكلوي والسرطان.
ويقول لـ«القدس العربي» «لاحظت انتشار السرطان بصورة كبيرة وموسعة بين المواطنين في شتى أنحاء قطاع غزة، نظرًا للمواد المستخدمة في تلك الصواريخ التي انفجرت والتي لم تنفجر، وهي مخلفات محرمة دوليًا».
المواطن الفلسطيني أشار إلى استخدام جيش الاحتلال قنابل الفوسفور الأبيض في الكثير من العمليات العسكرية داخل قطاع غزة، وهي قنابل قادرة على إذابة أعضاء الإنسان، وتتسرب إشعاعاتها إلى التربة، فتلوث المحاصيل والمياه، وتؤدي إلى دخول المواد مسرطنة بصورة مباشرة لجسم الإنسان.
وناشد المنظمات الدولية والمجتمع الدولي بالتدخل للتخلص من المخلفات الحربية التي راكمها الاحتلال في قطاع غزة، نظرًا لما تحتويه من خطورة على جسم الإنسان: «يا أصحاب الضمير الحي في هذا العالم، الاحتلال يستخدم أسلحة محرمة دوليًا في قتل أبنائنا وتدمير منشآتنا ومنازلنا».
ويضيف: «تأثير هذه الأسلحة لا يتوقف على لحظة القصف بل يمتد تأثيرها وتغلغلها في التربة لما بعد القصف بسنوات، ما يؤثر على حياة ومستقبل الناس في قطاع غزة. رجاء أوقفوا هذه المهزلة».
ممنوع الاقتراب
ويحذر المواطن الفلسطيني محمد صبحي من التعامل مع الصواريخ والقنابل التي لم تنفجر في قطاع غزة، لأن هذه المواد القابلة للانفجار قد تنفجر وتقتل وتدمر في أي لحظة أو تصيب الناس بأمراض خطيرة.
يقول لـ«القدس العربي»: «نحن نمر بمشكلة كبيرة وهي الصواريخ التي تلقى على المنازل دون انفجار، إذ يأتي مواطنون ليست لديهم خبرة بأي شيء. يلمسون الصاروخ او القنابل، فيصاب أحدهم بالسرطان، وممكن أن الصاروخ في أي لحظة ينفجر».
ويشير المواطن الفلسطيني إلى خدعة يمارسها الاحتلال ضد المواطنين عند انسحابه من منطقة ما، وتتمثل في تركه مخلفات حربية تشبه «علب الطعام»: «رأيت مواطنين كُثرا يموتون عندما يقتربون أو يلمسون تلك المخلفات. هذه صواعق مثل الألغام وتسبب كارثة كبيرة لنا».
ويعتقد المواطن الأربعيني أن قطاع غزة قد تحول إلى منطقة موبوءة، بسبب المخلفات الحربية للاحتلال: «هناك قنابل وزنها طن ألقيت على المنازل ولم تنفجر. هذه تترك في الجو والمكان كله وباء سرطانيا أو أمراضا مرتبطة بالرئة. أي شخص نسمع أنه لمس هذه المتفجرات أو استنشق الغبار الجوي في منطقتها نعرف لاحقًا أنه أصيب بالسرطان أو مرض في الرئة».
ويحذر إيهاب كرسوع من خطورة القنابل التي لم تنفجر على الأطفال الصغار: «كثير من الأطفال يلعبون ويلهون في المخيمات ومراكز الإيواء، وأحيانًا يرون مثل هذه الأشياء».
ويشدد لـ«القدس العربي» على أن «المشكلة أنهم لا يعرفون حجم خطورة هذه الأشياء، وبالتالي يلمسونها، فيتعرضون لخطر الإصابة بالأمراض القاتلة كالسرطان أو انفجار هذه القنابل في وجوههم».
مستقبل غزة في خطر
ويناشد المواطن الفلسطيني المنظمات الإنسانية المعنية بالتخلص من مخلفات الحروب، بالتحرك فورًا، لانتشال مخلفات جيش الاحتلال من قطاع غزة، ووضعها في الصحراء أو أماكن بعيدة جدًا غير مأهولة بالسكان، حفاظًا على ما تبقى من سكان قطاع غزة ومستقبل الحياة البشرية في القطاع بعد انتهاء الحرب: «نريد حياة صحية بعد انتهاء الحرب. لا نريد أن يموت أطفالنا ونصبح مجتمعًا للمرضى».