يعرض قسم السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان يوم غد الثلاثاء، الموافق 20 شباط، الفيلم الإيراني "لا وجود للدببة" للمخرج الإيراني جعفر بناهي، وذلك في مقر المؤسسة بجبل عمان في تمام الساعة السادسة والنصف مساء.
نال فيلم "لا وجود للدببة" للمخرج الايراني جعفر بناهي جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان فينيسيا السينمائي، والذي بدوره لفت اعجاب وتقدير النقاد لبراعة مخرجه في تقديم أكثر من حكاية وموضوع ساخن في الحياة اليومية لأناس بسطاء ضاقت بهم ظروف العيش، واستطاع بناهي بأسلوبه الفريد وهو المخرج المحاصر والممنوع من العمل داخل بلده، أن يقتنص بكاميرته العديد من الأطياف من الرؤى والأفكار البليغة التي تتحدث عن القسوة والفقر والتمسك بالعادات والتقاليد البالية فضلا عن التسلط والعزلة.
أنجز بناهي فيلم "لا وجود للدببة" بميزانية ضئيلة وأختار أن يصور أحداثه على نحو أشبه بالمغامرة في منطقة نائية واقعة على الحدود مع تركيا، تكثر فيها عمليات التهريب للبضائع والأفراد، وفيه يمزج بحذق ومهارة بين المنحى الدرامي والتسجيلي، يتأمل فيه أحوال مجتمعه وهمومه وتطلعاته، دون أن يغفل عن تضمين أحداث فيلمه بأشكال وتعابير من النقد السياسي، خصوصا إذا علمنا أن المخرج صاحب معاناة طويلة مع المنع والملاحقة والسجن بسبب أعماله السينمائية التي جرى منع البعض منها من العرض بالخارج.
مفارقات عديدة أحتوى عليها فيلم "لا وجود للدببة"، تناول فيها بناهي فهمه لدور السينما في الكشف عن مواطن الخلل السياسي والاجتماعي والثقافي بين مكونات أبناء مجتمعه، والتباين في الثقافات في تركيز على مبادئ اساسية تتعلق بحرية الأفراد والجماعات على أكثر من صعيد، تحاشى فيه الطرح السياسي المباشر، لكنه ترك العنان لعدسة الكاميرا أن تلتقط أناشيد الحرية في أكثر من موقف ومحطة، في اتكاء متين على مخيلة مدعمة بموهبة المخرج في تكسير النسق العام للفيلم على نحو ينأى عن الحكائية المتسلسلة المترابطة باجتهاد ذاتي، فضلا عن الافتتان بالتوظيف البديع لمفردات من اللغة السمعية البصرية، على نحو اخرج العمل من منعطف التيار السائد في السينما الإيرانية المتعارف عليها بسرديتها التي تبدأ من لحظة بداية ثم تتدرج وصولا إلى نهاياتها المعهودة.
تتمحور حكاية الفيلم الذي يكاد يكون (فيلم داخل فيلم)، في منطقة نائية واقعة على الحدود الإيرانية التركية ورغبة المخرج ("بناهي نفسه" - يحرص على الظهور في شخصيته الحقيقية) - في تصوير قصة زوجين تمكنا من الخروج إلى الأراضي التركية عبر التهريب لرغبتهما في الهجرة إلى أوروبا، لكنهما بانتظار أوراق رسمية تمكنهما من المغادرة، لكن المخرج يستأجر منزلا متواضعا ليكون على مقربة من شخوص فيلمه، ولهذه الغاية يختار صديقا له ليقوم بمساعدته في تصوير معاناة الزوجين في رحلتهما الشاقة، التي تتعثر بين حين وآخر لأسباب عديدة منها سوء خطوط الانترنت في التواصل مع زميله بالأراضي التركية، لتتراكم على المخرج المشاكل جراء علاقته المضطربة مع أهالي القرية التي تتفاقم إلى حد اتهامه بالتجسس والتلصص ومحاولة تصوير شخصيات وأطفال القرية بلا أذن بشكل مغاير للعادات والتقاليد في هذا المجتمع الريفي البسيط، في المحطة المقابلة تتعقد محاولات الزوجين في الهجرة إلى أوروبا، لكن في النتيجة الفيلم يلخص أغلبية مشكلات مجتمعه من خلال حراك الناس في هذه القرية البسيطة ويبرز الأثر العميق للصورة وقدرتها على الفضح والإدانة وتعرية الخرافات المتداولة والعلاقات القائمة على الزيف والخداع وتغليب المصالح الشخصية والدوافع التي تحكم على المرء الفرار من واقعه.
يشار إلى أن المخرج جعفر بناهي مولود في العام 1960، وهو واحد من بين أشهر صناع السينما في إيران، جالت أفلامه بالعالم، وحاز على العديد من الجوائز الشهيرة مثل جائزة الأسد الذهبي من مهرجان فينيسيا السينمائي وجائزة الدب الفضي من مهرجان برلين السينمائي، سجن لفترات محددة داخل بلده، لكنه بين حين وآخر وهو تحت الإقامة الجبرية نجح في تصوير العديد من أفلامه وتمكن من ايصالها إلى عدد من المهرجانات العالمية الكبرى، ومن بين أفلامه اللافتة: "هذا ليس فيلما"، "ستائر مغلقة"، "تاكسي طهران"، و"ثلاثة وجوه".