تشير التقديرات الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية إلى أن الوضع العام في الضفة الغربية آخذ بالتفاقم ويهدد باندلاع انتفاضة ثالثة، وهي ذات التقييمات التي يتبناها الأردن الرسمي ويحذر منها بكثافة خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على مدن وقرى الضفة الغربية والهجمات التي يقوم بها المستوطون بصورة شبه متواترة.
ورغم هذه التحذيرات الأمنية إلا أن القرار السياسي في إسرائيل ما زال باتجاه استمرار التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، فهل يرجع هذا القرار لعدم أخذ غرفة صناعة القرار السياسي الإسرائيلي بالتحذير الأمني الإسرائيلي أم أن خلف هذا الإصرار أسباب أخرى؟.
خلال الفترة الماضية ظهر الخلاف واضحاً حول التصور الأميركي والتصور الإسرائيلي لكيفية إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، حيث ترى الإدارة الأميركية ضرورة إدارة قطاع غزة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، بعد إجراء إصلاحات ضرورية عليها، وأن تكون إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة إدارة موحدة.
فيما يرى الجانب الإسرائيلي ضرورة إدارة القطاع من قبل سلطة إسرائيلية، وذلك لعدم ثقة إسرائيل بالسلطة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها تدعم تحركات إرهابية ضد إسرائيل.
ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية قررت العمل على استبعاد خيار حكم السلطة الوطنية الفلسطينية لقطاع غزة عبر إسقاطها في الضفة الغربية، وترى حكومة نتنياهو أن ذلك لن يحدث إلا باندلاع انتفاضة جديدة، ستكون السلطة حينها غير قادرة على منعها أو إدارتها، وبالتالي فإن الانتفاضة الثالثة، وإن كانت في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه أيضاً ستقوض أركان السلطة الوطنية الفلسطينية، وتعم حالة الفوضى، ولن تكون هناك جهة فلسطينية معترف بها لتحكم قطاع غزة.
كما أن إسقاط السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية يعني بالضرورة عدم وجود طرف فلسطيني يتمتع بالصلاحية والشرعية للجلوس إلى طاولة المفاوضات، في حال أعيد طرح خيار حل الدولتين، وهو ما يحلل إسرائيل من التزامها بالتفاوض مع الجانب الفلسطيني للوصول إلى حل الدولتين.
ولأن الحكومة الإسرائيلية تدرك أنه، لكي تندلع انتفاضة ثالثة، يجب توافر مجموعة من الشروط الموضوعية لذلك، فإنها تعمل بصورة جادة على توفير هذه العوامل، وأبرزها رفع منسوب الاحتقان الشعبي عبر استهداف المدن والقرى والمخيمات، وقتل الأشخاص بصورة مستمرة وهدم البيوت والمحال التجارية، وتوفير اشتباك مستدام ومتوتر مع سكان الضفة الغربية، وهو ما يتحقق من خلال الاقتحامات المستمرة للمدن والقرى والمخيمات.
ولا يمكن اعتبار اندلاع انتفاضة ثالثة أنه شأن فلسطيني بالنسبة للأردن، فالإجرام الإسرائيلي في الضفة الغربية لدفع الفلسطينيين لانتفاضة ثالثة سيكون له موجات ارتدادية على الداخل الأردني، سواء أكان ذلك على المستوى الرسمي أم على المستوى الشعبي، وهو ما قد يضع الأردن أمام خيارات كلها صعبة وغير واردة حتى الآن ضمن الرؤية الأردنية لكيفية إدارة الصراع مع إسرائيل.
إسرائيل ترغب بإشغال المنطقة في صراعات إقليمية غير مباشرة، بصورة تساعد على تغيير الحالة الجيوسياسية للإقليم، وتثبيت مجموعة من الحقائق على الأرض لا يمكن تجاوزها مستقبلاً، وتقليص أية فرصة لحل دائم للقضية الفلسطينية لا يتطابق مع الرؤية الإسرائيلية لحل هذا الصراع.
اندلاع انتفاضة ثالثة وإسقاط السلطة الوطنية الفلسطينية سيكون هو المحرك لديناميكيات سياسية وعسكرية جديدة في المنطقة، وسيترك آثاراً مستدامة على ملف القضية الفلسطينية، وسيصبح الحديث عن سلام عادل وشامل من مصطلحات فترة زمنية بائدة، وسيكون الأردن وحيداً مع الفلسطينيين لمواجهة العته والجنون السياسي الإسرائيلي، في ظل حالة عربية منقسمة ولا تملك منظومة حقيقية للأمن القومي العربي.
فهل نحن على موعد مع انتفاضة جديدة خلال الأشهر الثلاثة القادمة، لا نملك رفاهية الانتظار ويجب أن نتحضر منذ الآن للسيناريو الأسوأ.