نشرت صحيفة "الغارديان” مقالا لكريس ماكغريل، مراسلها السابق في واشنطن والقدس وجوهانسبرغ، قال فيه إن "إسرائيل تقتل الصحافيين الفلسطينيين في غزة، ولكن أين الغضب؟”. وقال إنه لا يمكن تجاهل أشكال القتل، وهل غياب التعاطف نابع من أن الضحايا ليسوا أمريكيين أو أوروبيين؟.
وعلق ماكغريل في البداية قائلا "أشعر بالرهبة من قوة وائل الدحدوح وقدرته على جر نفسه والوقوف أمام الكاميرا والتركيز على معاناة الآخرين، رغم معاناته المتكررة من جحيمه الشخصي”.
وأضاف "كان وجه الجزيرة طوال القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة، على الهواء في تشرين الأول/أكتوبر عندما علم أن زوجته وابنته البالغة من العمر7 سنوات وابنه البالغ من العمر 15 عاما وحفيده وعمره عام واحد قتلوا في هجوم، ولكنه واصل التغطية”.
وتابع قائلا "في الشهر الماضي جرح وقتل زميله المصور سامر أبو دقة في قصف إسرائيلي على مدرسة تابعة للأمم المتحدة تستخدم كملجأ. وفي يوم الأحد، ضربت مسيرة إسرائيلية سيارة في جنوب غزة وقتلت ابنه حمزة (27 عاما)، والذي يعمل لصالح قناة الجزيرة مع صحافي آخر”.. "أخذ الدحدوح استراحة من التغطية للمشاركة في جنازة نجله ثم عاد إلى البث الحي”.
ونقل ماكغريل ما قاله الدحدوح للجزيرة "لا شيء أصعب من ألم الفقد وعندما تجربه المرة بعد الأخرى، يصبح أصعب وأشد”، و”أمل أن تكون دماء ابني حمزة هي الأخيرة من صحافي ومن سكان غزة وأن تنتهي هذه المذبحة”. وكان حمزة وزميله مصطفى ثريا، مصور الفيديو لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويقول ماكغريل إن إسرائيل زعمت أنها لا تستهدف الصحافيين: "لكن من الصعب التوفيق بين هذا وحقيقة أن جيشها أطلق مباشرة صاروخين على السيارة التي كانت تقل حمزة. ولدى إسرائيل سجل حافل من الادعاءات الكاذبة حول الظروف التي قتلت فيها صحافيين. وقالت في البداية إنه "إرهابي” يحمل درون تصوير في المركبة. لكن المراسلين لم يطلقا الدرون عندما ضربت السيارة، ومن الصعب تصديق هذا، فلو كان الجيش يتابع تحركات الصحافيين، فإنه لم يتعامل معهم كعاملين في الإعلام”.
وأحصت لجنة حماية الصحافيين 70 صحافيا وعاملا في الإعلام قتلتهم إسرائيل في غزة، بشكل يجعل من النزاع الأكثر دموية للصحافيين ومنذ عدة عقود. ويقول آخرون إن الحصيلة تجاوزت الـ100. وذكرت اللجنة أن حجم وظروف القتل تشمل تهديدات مباشرة من المسؤولين الإسرائيليين للمراسلين وعائلاتهم، كدليل على أن المراسلين الفلسطينيين في غزة مستهدفون. و”قتلوا، بكلمة أخرى، ولو كان هذا فهي جريمة حرب، كما طالبت الجزيرة. ويجب أن تضيف محكمة الجنايات الدولية هذه الجرائم لتحقيقاتها في انتهاكات إسرائيل المزعومة والأخرى لميثاق جنيف وفي كل المناطق الفلسطينية المحتلة”.
ويعلق الكاتب "يقبل الصحافيون أن هناك مخاطر متأصلة في تغطية النزاعات، فسواء اختاروا الذهاب للحرب كمراسلين للمنظمات الإخبارية الأجنبية أو تأتي الحرب إليهم وعائلاتهم ضد رغباتهم، كما في حالة الدحدوح. أعرف زملاء شخصيا وبعضهم أصدقاء، وبعضهم تعرفت عليهم بحكم المهنة، فقدوا حياتهم وهم يمارسون عملهم كصحافيين”، من ديفيد بلاندي الذي قتله قناص في السلفادور في عام 1989 وماري كولفين التي قتلت أثناء القصف في سوريا عام 2012. ومات آخرون في أحياء مدن الصفيح جنوب أفريقيا وفي شوارع الصومال وفي القتال أثناء الثورة الليبية أو أطلقت النيران عليهم كما في سيراليون.
ويقول "يحسب كل مراسل المخاطر وإن كانت تستحق، وهل من الآمن الخروج إلى الشارع؟ والجواب ليس ما يبدو واضحا على الفور. فمن ناحية عامة، كان من الأسلم الاقتراب من حاجز ميليشيا أثناء الإبادة الجماعية في رواندا أكثر من تلك التي يديرها المتمردون في ليبيريا أو سيراليون”.
ويقول إن التغطية أثناء الانتفاضة الثانية، قبل عشرين عاما وعندما كان الجيش الإسرائيلي يقتحم وبانتظام ويفجر ويهدم الأحياء الفلسطينية في غزة، لم تكن من ناحية عامة غير آمنة مقارنة مع بقية المنطقة. وهذا لا يعني أن الجيش الإسرائيلي لم يكن يقتل الأشخاص الذين يعتقد أنهم صحافيون. ففي عام 2003، أطلق جندي إسرائيلي النار على المصور الصحافي البريطاني جيمس ميلر. وفي قرار لمحكمة بريطانية توصل إلى أنه قتل بشكل غير قانوني، إلا أن إسرائيل رفضت معاقبة الجندي المسؤول ولكنها وافقت على دفع 1.5 مليون جنيه استرليني وهو ما دفع عائلة ميلر للقول "ربما كان أقرب شيء حصلنا عليه للاعتراف بالذنب من جانب الإسرائيليين”.
وكان مقتل ميلر على ما يبدو جزءا من تصرفات جنود إسرائيليين غير منضبطين أطلقوا النار على أي شخص يريدون، ليس الصحافيون فقط بل موظفو الأمم المتحدة والأطفال الفلسطينيون. وكان الجيش يسرع في التستر على القتل الذي لا يبدو أنه منسق.
لكن الوضع في غزة اليوم مختلف، كما تقول لجنة حماية الصحافيين ومنظمة مراسلون بلا حدود في باريس، واللتان تقولان إن حجم وطبيعة الموت بين الصحافيين وعائلاتهم يقترح أمرا أكثر من جنود غير منضبطين يطلقون النار على الصحافيين، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار مقتل آلاف بمن فيهم 8 آلاف طفل. وبالتأكيد، فالرسالة من المسؤولين الإسرائيليين توحي أن الصحافيين هم لعبة عادلة، وكان الساسة في إسرائيل أول من سارع للدعوة إلى "محو” عدد من الصحافيين الفلسطينيين العاملين مع منظمات إخبارية أجنبية، والذين اتهمتهم كذبا جماعات مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة بأنهم كانوا "مرافقين” لحماس في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وقال بيني غانتس، عضو حكومة الحرب التي يتزعمها بنيامين نتنياهو بأنه يجب تصيدهم وقتلهم كإرهابيين. وهو ما يعكس الموقف العام بين المسؤولين الإسرائيليين أن الصحافيين الفلسطينيين في غزة هم ملحق لحماس.
وأوضح "حصلت عائلة ميلر على تعويض لأنه بريطاني، فالصحافيون الغربيون القتلى يثيرون موجة من التعاطف، وربما كان هذا هو السبب الذي دفع إسرائيل لمنع الصحافيين الأجانب من الدخول لغزة أثناء الحرب الحالية. وتعتمد المنظمات الإخبارية العالمية على نفس الصحافيين الذين تستهدفهم إسرائيل. ويقدمون الكثير من الصور حتى يرى بقية العالم الرعب في غزة”.
و”لهذا فمن المقلق جدا أن الصحف وقنوات التلفزة الغربية التي تنشر أخبارا عن الأعداد المتزايدة من القتلى بين الصحافيين في غزة ليست مستعدة لكي تتناول أشكال القتل، الذي تقول لجنة حماية الصحافيين إنه يقدم على ما يبدو دليلا قويا عن جريمة حرب. وبالتأكيد سيكون الوضع مختلفا لو كان المراسلون الأمريكيون والأوروبيون هم من يموتون”.