أخبار البلد ــ يومًا بعد يوم، تدرك إسرائيل أن الضفة الغربية المحتلة بمدنها وقراها وأزقتها الضيقة لم تعد لقمة صائغة كالسابق، فالذي يجري على أرض الواقع مُخالف حتى لأبشع السيناريوهات السوداء التي وضعت قبل سنوات والتي تحدثت عن مدن خالية تقريبًا من مظاهر المقاومة وحمل السلاح.
ورغم كل إجراءات إسرائيل القمعية والتعسفية التي اتبعتها طوال السنوات الماضية من حصار وتجويع واعتقالات وقتل بدم بارد ومحاربة في لقمة العيش لكل فلسطيني يسكن داخل هذه البقعة الجغرافية الصغيرة والساخنة دومًا، إلا أن تلك الخطط والإجراءات قد سقطت تمامًا وكشفت ما يُدار من خلفها من مقاومة قالت كلمتها بقوة على الأرض.
التصعيد الأخير وما شهدت الساعات الماضية من عمليات بطولية وفدائية في جنين ونابلس ورام الله، وأسفرت عن قتل العديد من الإسرائيليين، أكدت للجميع بأن المقاومة لم ولا تموت، طالما وجد هذا المحتل، فالأرقام تقول الكثير بعكس كل الروايات الإسرائيلية.
وأمام هذا المشهد الساخن وتلقي الاحتلال الضربات واحدة تلو الأخرى بدأ الحديث يكثر عن اتجاه جيش إسرائيل لشن عملية أمنية واسعة بالضفة، للقضاء على المقاومة من جذورها، إلا أن هناك الكثير ما يخيب الاحتلال من تنفيذ هذا الأمر.
وهنا تقول صحيفة "هآرتس” العبرية، إن الضغط لا زال يُمارس على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من قبل وزراء وأعضاء الكنيسيت من اليمين المتطرف، من أجل تنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، وهذا الضغط يخلق حالة من التوتر الشديد بين كبار المسؤولين في تلك الأجهزة وخاصة جيش الاحتلال.
-الخطة الجديدة
وقالت "هآرتس”: "المؤسسة الأمنية ترى أن سلوك بعض وزراء الحكومة فيما يتعلق بقضايا أمنية حساسة يفتقر إلى المسؤولية ولا يسمح بإجراء مناقشة أولية متعمقة قبل اتخاذ القرارات، وترى أن القرارات التي تتخذها الحكومة فيما يتعلق بتعزيز البناء في المستوطنات، والسماح للمستوطنين بدخول البؤر الاستيطانية التي تم إخلاؤها لا يساهم في إعادة الهدوء إلى الضفة الغربية”.
وأضافت: "بعد عملية مستوطنة عيلي التي قتل فيها 4 مستوطنين، سمعت أصوات من وزراء في الحكومة بينهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش يدعوان لتنفيذ عملية واسعة النطاق، وسط خشية من المؤسسة الأمنية من أن هؤلاء الوزراء سيجدون صعوبة في التراجع عن تصريحاتهم التي صدرت بشكل عاطفي بعد الهجوم”.
ونقلت الصحيفة العبرية، عن مسؤولون أمنيون في جيش الاحتلال، قولهم: "إنه لا يوجد إجماع واسع في الجيش بشأن الحاجة إلى عملية عسكرية، مشيرين إلى أن قيادة الجيش بالضفة تؤيد إطلاق عملية واسعة، لكن رئيس الأركان هيرتسي هاليفي، يؤيد موقف المخابرات والعمليات من أن شن مثل هذه العملية سيكون خطأ، وأن هناك احتمالاً كبيرًا بانزلاقه إلى جبهات أخرى، مع التركيز على قطاع غزة”.
ووفقًا للصحيفة العبرية، فإن قيادة الجيش بالضفة الغربية تريد مثل هذه العملية تحت ضغوط من وزراء الحكومة، ويريدون التصرف بدافع الحاجة إلى توفير رد تكتيكي فوري ضد المسلحين الذين ينفذون هجمات إطلاق النار، بينما تبحث شعبة الاستخبارات عن حل استراتيجي.
ويعتقد المسؤولون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ممن يعارضون عملية واسعة النطاق أنه يجب اتخاذ إجراءات ضد المسلحين الفلسطينيين بناءً على معلومات استخبارية دقيقة وبطريقة محددة، كما تم القيام به من أجل تفكيك "عرين الأسود” في نابلس، ولتجنب إلحاق الأذى ببقية السكان.
وتقول المصادر الأمنية ذاتها، إنه باستثناء مخيم جنين وعدد قليل من الأماكن الأخرى في الضفة الغربية المعروفة للمؤسسة الأمنية، فإن السلطة الفلسطينية تسيطر على معظم مدن الضفة، وهناك هدوء نسبي من الناحية الأمنية.، ولذلك فإن العملية العسكرية المكثفة ستؤدي حتما إلى حقيقة أن سكان المدن الأخرى في جميع أنحاء الضفة الغربية سيدخلون على خط الصراع، وتنفيذ هجمات على طرقها ومستوطناتها.
وفي التقييمات الاستخباراتية التي جرت في الأيام الأخيرة، قال مسؤولون أمنيون كبار، إن الشروع في عملية عسكرية واسعة النطاق سيعتبر إنجازًا مهمًا لحركة حماس.
وتظهر التقديرات الاستخباراتية أن حماس ستجد صعوبة في تجنب الرد على عملية كبيرة لجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتخشى المؤسسة الأمنية من أن تستغل حماس القتال في مدن الضفة الغربية لتعزيز قوتها ضد السلطة الفلسطينية، وستحاول إضعاف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وزيادة الدعم للتنظيم من أجل الوصول إلى السلطة كما حدث في قطاع غزة. كما تذكر الصحيفة.
وهنا توصلت الدوائر العسكرية في اسرائيل الى استنتاج ان المداهمات والاعتقالات في محافظات الضفة اصبحت غير مجدية ويجب البحث عن طرق اخرى للقضاء على المطلوبين والمسلحين.
واولى تلك السياسة الجديدة، تفعيل سياسة الاغتيالات من الجو وهي المرة الاولى منذ 17 عاما تستخدم اسرائيل الاغتيال جوا في الضفة الغربية، وتقول صحيفة "يديعوت احرنوت”، انه تم اتباع سياسة جديدة لاستهداف المقاومين وتحديدا في جنين ونابلس كما حصل امس عندما قصفت طائرة مسيرة مركبة فلسطينية وقتلت ثلاثة شبان قضاء جنين.
وبحسب المواقع الاسرائيلية فان "تصعيد” الجيش الإسرائيلي واستخدام الجو لاستهداف المقاومين في الضفة سوف يتركز على جنين ونابلس في هذه المرحلة.
وفي المناقشات الامنية يجري التحقق مما إذا كانت الإجراءات التي اتخذها الجيش والشاباك الآن في الميدان كافية ام يجب اتخاذ إجراءات أوسع. الشاباك يعتقد بنعم ، حسب القناة 12 لكن الجيش يعتقد أن الإجراءات الحالية يمكن أن تستمر وتحقق الإنجازات.
وخلال المحادثات مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير جيشه، أوضح مسؤولون عسكريون أن الانتقال إلى عملية عسكرية واسعة بما في ذلك الدخول الطويل إلى جنين، سيؤدي إلى تصعيد في ساحات أخرى مثل غزة وحتى لبنان. واضاف "على إسرائيل أن تحدد التوقيت المناسب لذلك”.
هناك قضية أخرى طرحت في المناقشات وهي كيفية اقناع المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة بإمكانية القيام بعملية عسكرية واسعة.
وذكر موقع واللا العبري إن المستوى السياسي في إسرائيل قرر تغيير قواعد اللعبة ضد المسلحين في جنين وتقرر تعزيز الأجواء بطائرات بدون طيار استعدادا للتدهور الامني.
واستشهد 3 مقاومين من كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، وكتائب شهداء الأقصى، مساء الاربعاء، جراء استهداف طائرات الاحتلال بدون طيار لسيارة مدنية كانوا يستقلونها، بصاروخ استطلاع بمدينة جنين، لأول مرة منذ عام أكثر من 17 عاما.
وحسب القناة 14 العبرية فأن "طائرة من طراز هيرمز 450 المحملة بالذخيرة هي من نفذت عملية الاغتيال في جنين”.
وتوعدت كتيبة جنين، في بيان لها، الاحتلال بالرد القاسي على جريمة اغتيال مجاهديها باستخدام طائراته المسيرة واحتجاز جثامينهم، مؤكداً على أن أسلوب الاغتيالات لن ينال من عزيمتها، وأنها أعدت للاحتلال ما يسوء وجوهه.
وأمس فقط، قُتل 4 مستوطنين في عملية فدائية في مستوطنة "عيلي”، وجرح آخرون، ووقع 8 جرحى بين المستوطنين الإسرائيليين خلال مواجهات مع فلسطينيين قرب عوريف جنوبي نابلس، بعدما قام أكثر من 300 مستوطن بمهاجمة منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم وإشعال النار في مدرستها.
وقبل يومين، وقع "الجيش” الإسرائيلي في كمين محكَم في جنين نصبته كتيبة جنين، تم خلاله تفجير عبوات ناسفة، والاشتباك مع قوات الاحتلال، الأمر الذي أدّى إلى إصابة 7 جنود إسرائيليين، بحسب الإعلام الإسرائيلي، فيما أكدت كتيبة جنين أن خسائر الاحتلال أكبر من ذلك بكثير، وقالت إنها تتحدّاه للكشف عن خسائره.
– قوة الردع
وقال عضو المكتب السياسي لحركة "حماس”، عزت الرشق، إنّ "تصاعد عمليات المقاومة المُظفّرة في الضفة الغربية تؤكد أنّ الاحتلال الإسرائيلي يفقد الردع، والضفة تحتضن المقاومة، بعد أن شهدت الأيام الأخيرة العشرات من العمليات الفدائية التي تستهدف جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه، التي زادت من مخاوفه من عام قاسٍ عليه في ضوء تصاعد أعداد القتلى والإصابات في صفوفه مقارنة بأعوام سابقة”.
وأضاف الرشق في تصريح صحفي، أنّ "الشعب الفلسطيني ما زال يعيش أجواء عملية جنوب نابلس، وقبلها كمين جنين، وما زالت تتكشّف الحقائق عنهما يومًا بعد يوم، بالتزامن مع ما أبرزته نتائج آخر استطلاعات للرأي التي أظهرت تأييدًا شعبيًّا كبيرًا للمقاومة، وبطولاتها، أمام فشل الاحتلال الذي هرب إلى الأمام باتخاذ قراراته بتعزيز قواته بالضفة بعدد من الكتائب العسكرية أملًا منه لن يتحقق بالقضاء على المقاومة”.
وأشار إلى أنّ "مواصلة المقاومة لعملياتها البطولية، وحالة القلق والتخوف السائدة في أوساط الاحتلال، تؤكد صدقية الرهان عليها وحدها في كنس الاحتلال ومستوطنيه من أراضينا المحتلة، من خلال توسّع حاضنتها الشعبية، وانخراط المزيد من الشبان الفلسطينيين في خلاياها ومجموعاتها الصاعدة، وحالة البطولة والاستبسال في تصديهم لاقتحام قوات الاحتلال، وما أبرزوه من حالة من وحدتهم الميدانية”.
وأوضح الرشق أنّ "جرائم قطعان المستوطنين ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في مختلف مناطق الضفة الغربية، تؤكد أنّ المقاومة، والمقاومة وحدها، هي الكفيلة بلجمهم، وكبح جماحهم، ومنعهم عن الاستمرار في هذه الجرائم الهمجية، التي تحظى برعاية رسمية من حكومة الاحتلال”.
وعن عودة إسرائيل لتكتيك الاغتيالات من الجو، رأى الكاتب والمحلل السياسي عصمت منصور، أن عودة جيش الاحتلال لاستخدام للطائرات المسيرة في اغتيال المقاومين في مدينة جنين سيترتب عليه تصعيد كبير وخطير على الارض، وسيشكل تطور نوعي في المواجهة وتغيير في قواعد اللعبة.
وقال، إن لجوء الاحتلال لسياسة الاغتيالات من الجو يدلل على فشله في تنفيذ مهماته على الأرض، وكذلك في خطوة لرد اعتباره بعد الضربة الذي تعرض لها في جنين الاثنين الماضي، مضيفًا "تنفيذ عمليات اغتيال مقاومين باستخدام الطائرات الحربية، سيعمل على عودة عمليات التفجير بالداخل المحتل”.
وتمكنت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الاثنين الماضي من تفجير عبوات ناسفة شديدة الانفجار في آلية عسكرية إسرائيلية متطورة من نوع "النمر”، لتمزقها، وكذلك تفجير عبوات أخرى في مركبات مصفحة مما عرضها للإعطاب، أدى ذلك لإصابة 7 جنود إسرائيليين أحدهم جراحه شديدة الخطورة.
وأوضح، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تحاول أن ترمم صورتها التي تبددت في الاشتباكات الأخيرة بغض النظر عن النتائج، مضيفا: "الاحتلال تلقى ضربة موجعة في جنين وهو يخاطر من خلال عملية القصف من الجو رغم ادراكه جيدا أنه من الممكن أن يفتح مواجهة هو لا يرديها مع جبهات أخرى”.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن تآكل قوة الردع وزعزعة هيبة جيش الاحتلال، قد تدفعه لفتح مواجهة جديدة من أجل استعادتها.