آخر ردود الفعل على بدء نشر الأسلحة النووية التكتيكية الروسية في بيلاروس, جاء من الرئيس الأميركي بايدن, الذي أعلن أنه لديه «موقفاً سلبيّاً» من هذا النقل، فيما كان رد الفعل الأوروبي أقرب إلى الهِسّتيري, إذ اعتبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي/بوريل, أن استضافة بيلاروس أسلحة نووية روسية يُمثّل تصعيداً غير مسؤول ويشكّل تهديداً للأمن الأوروبي، فيما «شدّدت» الخارجية الفرنسية أنه على روسيا «التراجع» عن خطوة نشر أسلحة نووية في بيلاروس وإظهار المسؤولية كدولة نووية. ولم تخرج بولندا الأكثر عِداءً لروسيا, ?الداعية إلى ضخ كل ما تتوفّر عليه الترسانة الغربية من أسلحة إلى أوكرانيا, عن السياق نفسه, إذ اعتبرت أن قرار بوتين نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروس, خطوة لجذب الأخيرة نحو آلة الحرب الروسية. وقد تبنّى «الناتو» السردية الإستعلائية التي لا تتحدّث عن مئات القنابل النووية الأميركية, المنتشرة في أكثر من بلد «أطلسي» مثل تركيا وألمانيا, ناهيك عن تطويقه/الناتو الكامل لحدود روسيا, وآخرها بانضمام فنلندا ذات الحدود الـ«1300» كم مع روسيا، إذ قال ناطق باسم الناتو: إن «خطاب روسيا عن الأسلحة النووية خطير وغير مسؤول، والحل? – أضافَ – مُتيقظ ويُراقب الموقف».
وايّاً تكن الأهداف التي سعى إليها الطرفان الروسي والبيلاروسي, من وراء اختيار هذا التوقيت لنشر السلاح النووي التكتيكي الروسي على الأراضي البيلاروسية، فإن وقائع الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا, وبخاصّة بعد مُضيّ واشنطن خصوصاً في تحدّي موسكو, ومنحها دعماً مفتوحاً لزيلنيسكي، ليس فقط سياسيّاً ودبلوماسيّاً وحتى عسكرياً, بل خصوصاً في تصريحات رئيسها وأركان إدارته أن واشنطن «لا تُمانع» في استهداف أوكرانيا للعمق الروسي. الأمر الذي دفع بمسؤولي نظام كييف إلى االتقدم بمطالبات مُثقلة بانعدام المسؤولية باتجاه ألمانيا تحدي?اً, لتزويد بلادهم بصواريخ «توروس» بعيدة المدى/تصل إلى 500 كم, بعد صواريخ «ستروم شدو» التي زوّدتهم بها بريطانيا ومداها 250 كيلومتراً.
ردود أفعال غريبة هيستيرية كهذه يجري تسويقها والترويج لها, إنما يُراد من ورائها صرف الأنظار عن حقيقة الإنتشار النووي الأميركي/الغربي (بريطانيا وفرنسا), وما يُشكّله من تهديد ومخاطر وجودية على روسيا وحلفائها، مصحوباً هذا الإنتشار النووي الأميركي/الأوروبي بعسكرة متواصلة للمحيطين الهادئ والهندي, والمتمثل أيضاً في تسريبات عن قرب دخول كوريا الجنوبية في نادي الدول النووية, إضافة إلى ما باتت عليه اليابان (التي تستعد لاستقبال «مكتب لحلف الناتو») من عسكرة، في ظل ما كشفه أول أمس هنري كيسنجر, الذي احتفل السبت بعيد ميلا?ه الـ «100», عندما أعرب عن رأيه بأن اليابان «قد تحتاج إلى 3-5 أو سبع سنوات لتطوير أسلحة الدمار الشامل». وإن كان المعسكر الغربي يروّج لهذه السيناريوهات بذريعة الخطر الذي تشكله الصين, فإن كيسنجر قال إن الصين تسعى للأمن وليس للهيمنة العالمية, مع أنها - أضاف كيسنجر - تسعى لتكون القوة العظمى في المنطقة, مُستطرداً أنه بـ«امكان بيجين أن تكون في موقف قويّ، حتى تضطر الهند واليابان لأخذ ذلك في الإعتبار».
في السطر الأخير.. السِجال «النووي» الأميركي/ الأوروبي مع روسيا, مُرشّح كلامياً للإحتدام, لكن انزلاقه إلى ما هو أسوأ مرهون بمدى إدراك واشنطن أن عالماً جديداً مُتعدّد الأقطاب آخذ في التشكّل والبروز، وقد آن الأوان للإعتراف بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة «وحدها» على كتابة وفرض جدول أعماله.
kharroub@jpf.com.jo