ولا يعني ما سبق أن ليس هناك فارق بين حكومة إسرائيلية وأخرى، فالحكومة الحالية هي من دون شك فاشية متعطشة أكثر لسفك الدم الفلسطيني أينما كان، داخل الخط الأخضر أو في الضفة وقطاع غزة والقدس. ولكن من يضع الخطط والاستراتيجيات الأمنية هما الجيش والشاباك وغيرهما من الأجهزة الأمنية، وهم من يوصون بتنفيذ هذه الاستراتيجية وما على الحكومات إلا المصادقة عليها، بمعنى أن ما يواجهه الشعب الفلسطيني منذ أكثر من عام أصبح واضحا بأنه حرب متدحرجة تنفذها إسرائيل بإيقاع متصاعد يوما بعد يوم، والهدف هو جعل حياة الفلسطينيين أكثر مأساوية، وتعميم بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية سلبية تخنق الشعب الفلسطيني وتجعله لا يشعر بالاستقرار وتفقده القدرة على تطوير وتنمية مجتمعه بطريقة طبيعية.
قد تكون المخاطر أكبر مع حكومة الثلاثي نتنياهو وبن غفير وسموتريتش. ولكن علينا ألا ننسى أن الآيديولوجيا الصهيونية التي تقوم على أساسها إسرائيل لا تريد وجود الشعب الفلسطيني ولا تعترف بهذا الوجود، وإن كان هذا الشعب موجودا بحكم الواقع فيجب إبقاؤه مجتمعا ضعيفا مفككا غير مستقر ممنوعا من أن يزدهر ويتطور. هذه استراتيجية إسرائيلية ثابتة وملموسة ولها أشكال مختلفة في ميدان التنفيذ، استيطان، وتهويد، وعقاب جماعي، وحصارات وخنق المناطق وفصلها عن بعضها، وتقسيم الشعب الفلسطيني وتغذية الخلافات في داخله، وأخيرا اللجوء إلى استخدام القوة والعنف المباشر.
ربما علينا أن نسأل أنفسنا، ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى الـ 75 للنكبة: ألم يكن هدف إسرائيل عام 1948 هو تدمير وتصفية المجتمع الفلسطيني وإنهاء وجوده المادي والسياسي على أرض فلسطين؟ والسؤال الثاني: هل تغيرت هذه الاستراتيجية الإسرائيلية كثيرا، تلك التي صاغها الآباء المؤسسون للصهيونية وإسرائيل؟
في سياق هذه الأسئلة ربما نرى بطريقة أوضح طبيعة ما تقوم به إسرائيل هذه الأيام. من هنا التمييز بين حكومة إسرائيلية وأخرى هو مفيد أكثر في دعايتنا على الساحة الدولية، ولكن في الحقيقة والواقع إسرائيل الصهيونية لم تغير جلدها حتى اللحظة وبالتالي من نظرتها للشعب الفلسطيني، من المهم أن نستغل الطبيعة الفاشية للحكومة الإسرائيلية الحالية لكشف الجوهر الفاشي والعنصري للآيديولوجيا الصهيونية بشكل عام، فكشف هذا الجوهر للعالم هو أسهل مع هكذا حكومة.
وبما أننا أمام حرب إسرائيلية من نمط مختلف، نمط يحاول أن يتحايل علينا وعلى الرأي العام العالمي، فالعالم وفي الظروف الدولية الراهنة لا يريد تسخينا كبيرا قي الشرق الأوسط، فالطريقة الأنسب لإسرائيل هي حرب متدحرجة لكنها متواصلة ومستمرة ومتصاعدة يوما بعد يوم. وإذا دققنا في الأمور بشكل أعمق نجد أن نمط الحرب الإسرائيلية هو الطريقة الأنسب لاستغلال انشغال العالم والدول الكبرى تحديدا بالحرب الأوكرانية والصراع المحتدم بين الولايات المتحدة الأميركية والصين في تايوان.
ما الذي علينا أن نستخلصه والحالة هذه، ما دامت أهداف إسرائيل واضحة لنا؟ ما هو الرد المناسب ما دمنا ندرك أن الكل الفلسطيني مستهدف؟ أي هل يجب أن نواصل التخندق في مربعات الانقسام ونساعد إسرائيل على تحقيق أهدافها؟ إنها دعوة لنستفيق قبل فوات الأوان ونحن نعيش ذكرى النكبة.