لم تكن حماس وهي فرع الاخوان المسلمين في فلسطين وليدة الصدفة، وإنما عمل منظم مرتب مع أجهزة استخبارات الاحتلال الاسرائيلي تعود جذوره الى 60 سنة، بعد 6 سنوات فقط على احتلال قطاع غزة في حزيران سنة 1967، عندما انشئ "المركز الإسلامي" كجمعية خيرية دينية اجتماعية بدعم من أقوى اجهزة الاحتلال الأمنية والعسكرية (الشاباك) الذي منح فرع الاخوان الترخيص رغم رفض حكومة الاحتلال التي لا تستطيع مخالفة تقديراته الأمنية المرتبطة بمصالح (اسرائيل) وأمنها، فاستخبارات الاحتلال كانت ترى في تثبيت قواعد الاخوان المسلمين في فلسطين وغزة تحديدا بمثابة قوة ضاربة للحركة الوطنية الفلسطينية المتنامية، ولمنظمة التحرير الفلسطينية التي نالت اعتراف دول الجامعة العربية بها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في العام 1974 . ما يعني ان انشاء ما سمي المركز الاسلامي سنة 1973 كان بمثابة اللغم المؤقت الذي جرى تفجيره في مسار المشروع الوطني الفلسطيني، وفي هذا السياق كتب المختص في سياسات الشرق الأوسط، الصحفي اليهودي العراقي الأصل الدكتور آلون بن مئير وهو من مؤيدي عملية السلام، كاشفا عن مساندة الحاكم العسكري لمنظومة الاحتلال في قطاع غزة لحماس الجنرال يتسحاق سيغيف الذي أقر في لقاء صحفي مع مراسل نيويورك تايمز قائلا: "ساعدنا في تمويل حماس باعتبارها "ثقلًا موازيا" للعلمانيين واليساريين في منظمة التحرير الفلسطينية" .
أما المؤرخ الاسرائيلي والعالم في السياسة أفنير كوهين، فقد أقر: "بأن حماس انشئت عبر إسرائيل"! أما بنيامين نتنياهو فإنه قد كشف عن العلاقة العضوية بين مشروع المنظمة الصهيونية وجماعة الاخوان المسلمين، عندما قال لمنتقدي سياسته في التعامل مع حماس: "اذا اردتم رؤية دولة فلسطينية متصلة في الضفة وغزة، عليكم ألا تسألوني لماذا تقبل بوصول حقائب الأموال والدعم لحماس في غزة".
كتبنا يوم الأحد الماضي هنا تحت عنوان: "عدوان مزدوج بقيادة اركان واحدة" حول دور جماعة حماس في اجهاض المشروع الوطني الفلسطيني وضرب اركان السلطة الوطنية والأجهزة الأمنية، واغتيال الهوية الوطنية والعربية الانسانية للشعب الفلسطيني، وكان المقال بمثابة محاولة لتقديم قراءة موضوعية لما يحدث اثر كل عدوان اسرائيلي على مدن ومخيمات فلسطينية في الضفة المحتلة، لكن بعد اقل من 24 ساعة غزا وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات اخبارية خطابا مصورا لواحد من مشايخ حماس الشباب – ابن الانقلاب الدموي – وهو يدفع نحو هدر دماء الفلسطينيين، ولولا تمكنه من اللغة العربية - ولغة القرآن منه براء - لظنه المشاهد والسامع احد اتباع (الحاخام المجرم باروخ جولدشتاين) المشهور بجريمة الحرم الابراهيمي الدموية، لكن هذا كان واقفا يتوعد ويقسم ويحث سامعيه على: "حفظ اسماء ووجوه" قادة وكوادر العمل الوطني الفلسطيني السياسي والأمني في الضفة في (بنك اهداف) الى حين تهيئة اللحظة المناسبة لتنفيذ الحلقة التالية من تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، كما خطط له مشايخه الأوائل مع الشاباك قبل 60 سنة !
يستغلون منبر رسول الحق والسلام والمحبة والاخاء بين ابناء الوطن الواحد، منبر العلم والمعرفة وقيم الأخلاق، لبث الفتنة والاقتتال بالسلاح، والعدائية المطلقة بين ابناء الشعب الواحد، وبالتوازي يبثون والتجهيل، ويخلخلون اركان الرواية الفلسطينية، ويقدمون رأس الشعب الفلسطيني بكيانه السياسي والتاريخي والحضاري الماضي والحالي والمستقبلي على اطباق من ذهب لمنظومة الاحتلال، فبالتوازي مع دعوة شيوخ الانقلاب في غزة، يطلع شيخ هنا لينفي حق الشعب الفلسطيني في ارض وطنه فلسطين عبر التاريخ، ويختصره برقم السنوات الهجرية (1440) سنة فقط، فيتلقفها (اخوانهم الصهاينة) بحرارة، ولينشروا ان فلسطينيا بمرتبة شيخ يقر بروايتهم بأن الشعب الفلسطيني ما كان هنا على ارض فلسطين قبل مئات القرون، وإنما جاءوا من الجزيرة العربية مع (حملات الفتح الاسلامي)، والمصيبة أن هذا الشيخ كان يتكلم عن حق الشعب الفلسطيني التاريخي والطبيعي في ارض وطنه فلسطين، وليس عن مجرد محطة تاريخية عاشها الشعب الفلسطيني على أرض وطنه الأزلي فلسطين!
تترسخ قناعاتنا بأن مستخدمي الدين من الاخوان المسلمين ومشتقاتهم الذين خرجوا من رحم الجماعة، ومن (جماعة الصهيونية) وجهان لمشروع واحد، الأول يحتل عقولنا ويمسح قيمنا الأخلاقية، وتراثنا وهويتنا وثقافتنا الوطنية، فيما يسيطر الآخر الصهيوني الاستعماري على ارضنا، ولكن يجب التذكر دائما ان كليهما يعملان اجراء لصالح مشاريع الدول الاستعمارية، كل بلغته وتعاميمه وخطابه العنصري!