عندما تكون العقبة مسكنك الدائم بيتاً وقلباً وعندما تكون بيئة عملك لسنوات، يغيب عنك فيها للأسف بعض جماليات الحياة التي أصبحت جزءا من حياتنا اليومية أو الاعتيادية الروتينية، فلم نعد نشعر أنها مختلفة! وهذا أمر يستحق منا نحن أبناء المدينة أن نعود ونستشعر ما في العقبة من معالم وعلامات ومشاهد تستحق أن نعززها ونجدد الحياة فيها، ونعمل بجهد لصونها وحمايتها، فهي عصب حياة المدينة، وارثها المستمر، وسبيل جذب الكثيرين لها.
ثلاثية الماضي والحاضر والمستقبل تحكيها ثلاثية الشمس والبحر والرمال، تهمس كل منها سيرة مكان وزمان، وتحكي ألف حكاية، يداعب عبقها نسمات بحر العقبة، تخطها خيوط شمسها، تقرأها واضحة على تراب شواطئها، ترانا نسير يوميا من بيوتنا لعملنا ورزقنا الذي يختلف عن غيره من المدن الأردنية، فغير الهواء والأرض نحن من نعيش البحر فرحة ومتعة ورزقاً.
في العقبة تعلو راية الثورة العربية الكبرى، تؤكد مكانتها بوابة في تأسيس دولة، يقابلها صمود حجارة بيت الشريف الحسين بن علي وقلعة العقبة تصف حكمة قائد الثورة وثبات تاريخ مدينة، يلامس مشاعري مئذنة مسجد العقباوي، يسرق فؤادي لوحة رسمتها ريشة صيادي العقبة حين تجتمع قوارب صيدهم في ركن يمزج الرزق بالفرح، ليطل بصري بشموخ على جبال المدينة الراسية في الأرض، تجيب عن امتداد بمحيط واسع تربطني بعلاقة عربية تاريخية مع الشقيقة السعودية، التف بعدها باتجاه آخر فتلامس أفق عيني قارة افريقيا بأجزاء من الشقيقة مصر، يهتف قلبي غربا فتحاكي مشاعري المختلطة التصاقنا بخطوات معدودة فلسطين الحبيبة، أبحر وأرسو بماضي ميناء مدينة أيلة القديمة، تترابط أنفاسي بقصة كنيسة طينية من أقدم بيوت العبادة في المكان والزمان، تتهادى حولي سعفات نخل الدوم كباقة هي الأجمل بين الأشجار، وان فكرت لحظة بالغوص أكن بين أحياء وكنوز من عالم مختلف، وان شعرت بجوع بعد السباحة تتملكني نكهات صيادية عقباوية أُحلي بعدها بالحوح فيفيض الجوف حلاوة، وان ضجرت أطرب بأوتار السمسمية فيزهر الوجدان، وفوق كل ذلك يأخذني حنين جيرة وصحبة أناس عشنا معهم بين بيوت البلدة القديمة متنقلا بين تقارب حيطان مساكن المنطقة الرابعة لتطير بعدها الحياة للعيش باطلال منطقة الخزان ملاصقا لحي الشلالة لتنتقل مشاعري لكل أحياء المدينة التي سكنتها ففيهم الكثير الكثير ممن كانوا جزءا من صفحات حياتنا.
العقبة اليوم لؤلؤة الركن الجنوبي من الوطن فيها من البناء والتطوير والجمال والتاريخ ما ينقلك حول العالم دون أن تغادر الوطن فاجعلها وجهتك في العيد وغير العيد، فهي مدينة جامعة وفسيفساء وطن وعروبة متشابك خيوطه من كل مكان، ولا ينقصها شيء غير أن نعيش بصدق وحماية واهتمام لكل ركن فيها برا وبحرا وسماء، ونستمر بنسيج محبة التماسك والعطاء فيها، ونلفظ كل منافق ومؤذ لجسدها الجميل، فالعقبة مختلفة تستحق ان نعيشها بضمير حقيقي، ومعادلة ذلك سهلة يحققها محبة وعمل صادق مخلص، وسلامة فكر وكلام وفعل واع، وأمانة مسؤول ولا أكثر من ذلك.