اليوم نعيش في شهر واحد، في مجتمع واحد، ندين بدين واحد بالنسبة العظمى، ومع ذلك نشهد ألف سلوك مختلف، ومائة رأي متقلب، وعددا من الصور والطقوس الدنيوية الباهتة، فأصبحنا أجسادا مجتمعة في عقول واتجاهات متناقضة، فأفقدنا للزمان بوصلته وللحياة روحانيتها.
مقدمة طويلة بعمق أبعد من عنوان المقال! ولكنها رسالة مقصودة، تطال كل أشكال التعبير والدلس الملموس. سأتحدث هنا عن أحد سلوكيات بعض المجتمعات والأفراد في شهر البركة، شهر رمضان المبارك، سلوك الكثيرين ممن علقوا فوانيس على واجهات منازلهم قبل أن يتعلقوا بصدق ضوء وبركة رمضان، وأضاؤوا أهلّة على أشجار وشبابيك منازلهم قبل أن يضيئوا بقلوبهم فكر وروحانية الشهر الفضيل، كما وزع الآلاف منهم حبات التمر قبل أن يطعم بعضهم أهل بيته وأخواته، فأصبحنا نعيش شهر الفانوس والهلال والتمرة في سلوكنا، قبل أن نعيش شهر البركة والرحمة والعتق من النار.
لست ناقدا فأنا من الجمع. ولكن ممن يتمسك قدر الإمكان بالبحث عن الفوز بالمغفرة، ولكن ما أن التقي أو أزور أو حتى أقوم بعبادة إلا ورأيت اختلافا وفارقا في كل مكان، يبدأ في الانفتاح بإطلاق الأحكام المتفق عليها أصلا، أو توجيه الأفراد لما يحب ويرضى شيخ طريقة أو معد ومقدم برنامج نسمع فيه الرأي المختلف، أو حتى في سلوك تاجر يتغنى بإنفاقه طلباً للحسنة ويقابلها ببضاعة مغشوشة أو سعر فاحش فيما يبيع.
وينطلق وسط كل ذلك مائة وثلاثون باحثاً عن جمع غفير، يقدمون أنفسهم في ميدان الحياة لعلهم يجمعون أصواتا لا حسنات في أكثرهم، منهم من يجمع الاثنين ويستحق الأجر والأجرة والله وحده هو الأعلم بهم، فلهم من الله الخير ومنّا بركة الدعاء، ومنهم من نعلمه ويعلم أننا نعلمه، يختبئ خلف جمعية أنشأها أو شركة يملكها، أو كوبونات حصص استلمها لقاء ضبط نطقه، أو خلف رجل أعمال حتى لو من «جنسية أخرى» يغدق عليه، أو خلف أتباع يطبلون ويغنون ويمجدون بركاته في رمضان وغيره، ليبدأ يوزع أرزاقاً- لا يملكها- لعلها ترفع نسبة فوزه في كرسي الدنيا، وندعو الله أن يحقق خسرانه في الآخرة.
رمضان شهر صدق فقط. ومن بغى في فعله أو قوله غير رضى الله ورضى رسوله فلا يعنينا غير الدعاء بأن يتقبل الله عملهم إن كانت للحسنة فقط، ولا يحرمهم أجرها إن كانت لمن يستحق، ويمنع عنهم غرض الدنيا المنشود في سلوكهم إن كانت لدنيا يصيبها.
ونقول للكثيرين ممن يقدمون في رمضان أبدعتم العمل وجزاكم الله خيراً، واجعلوا في عطائكم غاية واحدة- وإن كان بينكم ممن لا يبحثون حتى عن الحسنة- اجعلوا في عطائكم غاية إسعاد وإشباع محتاج لتكونوا شركاء الحياة لنا، فهناك الكثير ممن يبحث عن لقمة عيش وبسمة يتيم وفرحة طفل. ولتعلموا أن إطعام وفرحة رمضان هي للمسلم وغير المسلم، وستكتمل فرحتك إذا رسمت على وجه الجميع السعادة، فلا تسأل أو تبتغي بما يسره الله بعملك الخير دينا أو جنسا أو فئة، وهنا فقط نعيش روحانية الشهر وندعو أن نكون ممن يعتقهم الله ويغفر لهم.
نعم؛ علقوا فوانيس وأهلّة رمضان ووزعوا التمر فلا حرج. ولكن فوق كل ذلك لنكن صادقي الغاية.