السعودية اليوم وبقيادتها الجديدة بات لديها استراتيجية
مكتملة الأركان للاستدارة الهادئة في جميع الجهات, وهذه الاستراتيجية الهادئة منحت
وتمنح السعودية مكانة جديدة في المنطقة ككل, وثمة دول عربية أخرى في المنطقة
ستنحاز إلى مثل هذه الاستدارة, مع أن هذه الاستدارة جاءت استجابة وعن قناعة تامة لاستعادة
مكانة الأمة العربية واهميتها الاستراتيجية في المنطقة.
لاشك أن السعودية اليوم معنية وقادرة في نفس الوقت على
وضع وجه جديد للمنطقة وإزالة جميع التحديات والصعوبات العالقة منذٌ عقود مضت في
منطقة الشرق الاوسط, وأن غياب دور السعودية في المنطقة ككل كان له انعكاسات كبيرة
على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. وما ضعف العلاقات الإيرانية مع الأمة
العربية, ومماطلة الإسرائيليين في حل الدولتين, وتراجع برامج التنمية في المنطقة,
ودخول ايدولوجيات غريبة على عالمنا العربي, إلا شواهد ماثلة أمامنا اليوم على غياب
دور السعودية للأسف الشديد عن (تفرعن) بعض هذه القوى في المنطقة.
اليوم لا بد أن تأخذ السعودية مكانتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة ككل وأن تستدير معها
جميع الدول العربية باتجاه إيران دون استثناء, فمكانة السعودية في المنطقة من
مكانة الامة العربية, ومكانة الأمة العربية من مكانة السعودية, فغياب مكانة السعودية وهيبتها في العقود الماضية ترك فراغاً كبيراً
مُليء فيما بعد بقوى لم تنصف الأمة العربية باي شكل من الأشكال حتى استبيحت معها حقوق
الأمة من قبل هذه القوى.
أن استدارة السعودية
باتجاه إيران خطوة متأخرة لكنها هامة وضرورية إلى أبعد الحدود, وأن كثير من
الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالقة في المنطقة
ستبدأ بالانحصار, وأن تراكم هذه الملفات وتعقيدها عبر العقود الماضية سيبدأ
بالتراجع شيئاً فشيئاً, فالمنطقة متعطشة جداُ للاستقرار السياسي والاقتصادي
والاجتماعي.
أعتقد جازما أن الجارة إيران
أيقنت اليوم أن استقرارها هو من استقرار السعودية, وأيقنت أيضاً أن نقاط التفاهم
المشتركة مع السعودية أكثر
بكثير من نقاط الخلاف, كيف لا والطرفان اليوم يبحثان عن نقاط التقاء لا نقاط افتراق,
وأن دول المنطقة اليوم بات مستقلة وينبغي احترام استقلال هذه الدول وعدم التدخل في
شؤونها الداخلية, فالأذرع المزروعة داخل الدول باتت مكشوفة ولم تعد مجدية.
وثمة أسئلة على طاولة التفاهم بين السعودية وإيران, ربما
يكون من بينها ماذا تريد السعودية بالضبط من إيران؟ وماذا تريد إيران بالضبط من
السعودية؟ معتقداُ أن لدى الطرفين اليوم إجابات واضحة المعالم على مثل هذه
التساؤلات, وقد نضيف لاحقاً تساؤل جديد يتمثل في ماذا تريد الصين كراعية لهذه
التفاهمات من هذا من هذه العملية برمتها؟
المنطقة العربية شهدت تدخلات خارجية واسعة النطاق, فهل استدارة
السعودية باتجاه إيران يحد من هذه التدخلات لاحقاً, ومن ثم إعادة الأمور إلى
نصابها؟ الجواب يعتمد على كيف ستعيد هذه القوى في المنطقة من برامجها السياسية.
بقي أن نقول: من المبكر القول, والحال هكذا أنه سيكون
هناك تراجع في نية توجيه ضربة أمريكية إسرائيلية لإيران في قادم الأيام, ومن ثم
وضع إسرائيل في زاوية ضيّقة إلى أبعد الحدود, وخروج أمريكا
من ملعب الشرق الأوسط خروجاً نهائياً, واستلام الصين ملف المنطقة برمتها, كيف لا والعالم
يتغير نحو الأفضل, معتقداً أنه في نهاية المطاف سيكون للأردن دور إيجابي وفاعل في
كل ما هو جديد في هذا الملف الواعد.