الرواية المتداولة حول الرزمة الأميركية المقترحة على الفلسطينيين والإسرائيليين، تقضي بأن توقف إسرائيل إجراءاتها أحادية الجانب في الأراضي الفلسطينية المحتلة لعدة أشهر، مقابل أن يرجئ الطرف الفلسطيني تقديم طلبه إلى مجلس الأمن لإدانة الاستيطان.
وعوضاً عن قرار كان سيحتم على أميركا رفضه باستخدام الفيتو، يصدر مجلس الأمن بياناً يؤكد التمسك بحل الدولتين، ورفض كل الإجراءات التي تقوض هذا الحل، بما فيها الاستيطان، وهدم وإخلاء المنازل الفلسطينية.
وعوضاً عن قرار كان سيحتم على أميركا رفضه باستخدام الفيتو، يصدر مجلس الأمن بياناً يؤكد التمسك بحل الدولتين، ورفض كل الإجراءات التي تقوض هذا الحل، بما فيها الاستيطان، وهدم وإخلاء المنازل الفلسطينية.
وبذلك تكون الإدارة الأميركية قد سجلت إنجازاً مهماً لدبلوماسيتها المكثفة التي وصلت ذروتها حين تجمَّع أركان الإدارة في القدس ورام الله لوقف التصاعد الخطر بين الجانبين، ما أسفر أخيراً عن الرزمة التي يستطيع كل طرف ادعاء نجاح في سياسته وإن كان بنسب متفاوتة.
العرّاب الأميركي، حصل على خلاصة معقولة لجهوده كالتوصل إلى التهدئة المنشودة وتفادي الفيتو المحرج، والضغط على حكومة نتنياهو – غير المَرْضي عنها أساساً - وخفض منسوب الإحباط لدى الفلسطينيين الذين جاهروا على كل المستويات بخذلان الأميركيين لهم.
الإسرائيليون الذين ينشغلون بالمعركة الداخلية الأكبر منذ ولادة الدولة، يشعرون بالارتياح من فكرة تأجيل الإجراءات الأحادية لعدة أشهر، فالتأجيل أخف وطأة على الائتلاف الحكومي من الإلغاء، وبوسع نتنياهو أن يتعامل مع الموقف بصورة تكتيكية، ما دام خيط الأزمة لا يزال في يده، والأشهر المقترحة لتجميدها لا تضر كثيراً بمخططات حكومته... فما إن تهدأ الأمور خصوصاً على صعيد الأزمة الداخلية، وما ينذر به شهر رمضان المبارك، حتى يستطيع بعد ذلك أن يفعل ما يشاء، ويضع الجميع بما في ذلك أميركا أمام أمر واقع.
الفلسطينيون، خصوصاً السلطة، وفرت لهم الرزمة عدة مزايا؛ أهمها استعادة مستوى دعم أميركي، كان قد تراجع كثيرا ليس فقط في زمن ترمب، وإنما في زمن الإدارة الديمقراطية الحالية، ذلك أن أميركا تجسد الحبل السري الذي يربط السلطة بما تبقى من أوسلو، وهي كذلك قوة الضغط الوحيدة المؤثرة على إسرائيل، وتفترض السلطة أن الرزمة الأميركية لن تكون مقترحات فنية فحسب، بل التزاماً رسمياً بتنفيذها إذا ما وافق الطرف الإسرائيلي عليها.
الرزمة الأميركية هي أقصى ما تستطيع إدارة بايدن بلوغه لدى الجانبين اللذين لا يتشاركان حالة تسوية، بل حالة حرب، كما أن هذه الرزمة أعادت للسلطة الفلسطينية بعض نسغ حياة، بعد أن بلغت وفق التقديرات الأميركية حالة احتضار يفضي إلى الموت. ولولا أجهزة التنفس التي سارعت واشنطن إلى تزويدها بها، لتحول ضعف نفوذها في معظم مناطقها إلى عبء ثقيل على كل المعنيين بالمسار الفلسطيني الإسرائيلي الذي حال انهيار السلطة سيكون مفاعلاً نشطاً لإنتاج الفوضى المدمرة.
مع أن العرّاب الأميركي أثبت فاعلية معقولة في تحركه الأخير، فإن الحالة الفلسطينية الإسرائيلية المكتظة بالصراعات الداخلية وأجنداتها المتناحرة وعلى كلا الجانبين، تجعل من الرزمة الأميركية مجرد تسوية تكتيكية يصعب ضمان استمرارها ورسوخها، خصوصاً إذا ما كانت نهاية المطاف في الجهد الأميركي المركز على التهدئة فقط.
إن الرزمة يمكن أن تكون أكثر جدوى وفاعلية لو كانت في سياق عملية أميركية أوسع، ينقل الجهد الأميركي من حالة إدارة الأزمات بتسكينها المؤقت إلى معالجة الأزمات بحلول سياسية، وبما أن الرؤية الأميركية للوضع الفلسطيني الإسرائيلي لا تزال لا ترى فرصاً لمعالجة سياسية أشمل وأعمق، وهذا ما يريده الفلسطينيون ومعهم العرب والعالم، وبالطبع ما لا تريده إسرائيل وتورط الإدارة الأميركية في تبنيه، فما حدث يمكن وصفه بالتسوية المؤقتة الهشة التي سبق أن حدث مثلها الكثير.
ملاحظة... الرأي العام الفلسطيني لن يرى في قرار السلطة تأجيل التصويت على القرار في مجلس الأمن، إنجازاً يحسن الصورة، بل سيراه تراجعاً مدوياً تحت ضغط أميركي، واستمراراً للتنكيل الإسرائيلي بهم.