هذه الأمور تجعل الحديث عن مدينة جديدة أمراً مقبولاً، خاصة أنها ستقام على أرض مملوكة للخزينة بما يجعل التخطيط للفضاء العام أكثر سهولة وايجابية، فلا توجد استملاكات واسعة ولا تعامل مع مشكلات مرحلة، ولكن يجب الالتفات إلى أن المدينة الجديدة في حد ذاتها تتطلب أنشطة اقتصادية تجعلها قابلة للحياة، خاصة والموقع المقترح بعيد نسبياً عن الأماكن النشطة اقتصادياً، ولذلك تتأتى ضرورة الحديث عن الخطة الكلية التي تصبح المدينة أحد مفرداتها، وليست غاية في حد ذاتها، خاصة وأن مجموعة من المشاريع التي سعت إلى وجود نوع من التخطيط في الزرقاء وعمان لم تتمكن من الالتئام بصورة مناسبة مع المحيط العام، فكيف لمدينة بعيدة نسبياً أن تحقق ذلك؟.
هل يمكن التعويل على مشروع الشام الجديد ليكون إعلاناً عن مدينة تكتسب صفة اللوجيستية بين العراق ومصر، مع قابلية التكامل مع مدينة نيوم السعودية التي بدأت أعمالها فعلياً، وعليه يصبح الحديث عن الاستثمار وفرص التمويل مبرراً ومنطقياً، خاصة وأن التطلع على وضعية المالية العامة يؤشر إلى استحالة القيام بمشروع المدينة ضمن الإمكانيات الذاتية القائمة، ويظهر السؤال، حول مدى ثقة الأردن في اكتمال المشروع بالصورة التي تكفل وجود مدينة جديدة، من المرجح أن تكون مدينة مليونية مزدهرة، وربما عاصمة مستقبلية وفقاً للنمط الذي أحدثته باكستان مع إسلام إباد، والبرازيل مع برازيليا، مع ملاحظة أن الحديث ينصرف إلى دول كبيرة سكانياً ومتخمة بالموارد الطبيعية.
ما الدور الذي ستقدمه الحكومة، هل ستكتفي بتأهيل المنطقة وتفتح الباب للاستثمارات الصغيرة من الأفراد، والكبيرة من الشركات مع التشجيعات والحوافز، أم أنها ستبحث في تأسيس أحياء ومرافق ومن ثم العمل على تسويقها، وثمة فرق كبير في التكلفة والمسؤولية؟
كل هذه أسئلة يجب أن تسعى الحكومة لإجابتها بالسرعة الممكنة، لأن الثقة في فكرة الاستثمار متدنية أصلاً، ولأن الأردنيين ليسوا في مزاج لتكرار تجربة الباص السريع والتعثر في إنجازه والفرق بين الوعود التي أطلقت بخصوصه والواقع الذي أنتجه، ونحن نتحدث عن مدينة كاملة وليس مجرد مشروع أصبح موضعاً للتشكك في القدرة على التعامل مع المشروعات الكبرى.
السؤال الأخير، هل تمثل المدينة الجديدة هروباً للأمام يتضمن تراجعاً عن تنمية المحافظات خاصة لما سينشأ عن استهلاك الموارد في المشروع، وهل يفترض بالمدينة الجديدة والمجتمع العمراني المرافق لها أن يمثل خروجاً من الأراضي الخصبة في البلقاء والأغوار لمصلحة الزراعة، أم مجرد استيعاب لزيادة سكانية متوقعة من غير أن ينعكس ذلك على إعادة هندسة الكتلة السكانية في الأردن بما يكفل التوازن للموارد الطبيعية.
كل هذه الأسئلة ذات الطابع الواسع تركت من غير إجابات واضحة وكاملة، أمام الإعلان الذي سيفتح شهية المضاربة من غير فعل استثماري حقيقي، وأصبح الحديث عن الفعل التكتيكي المتمثل في تأسيس المدينة الجديدة وتفاصيله سابقاً على السؤال الرئيسي حول هويتها ضمن منظومة أوسع وأشمل.