فيما يَسود الاعتقاد أنَّ الانكبابَ على نبش محتويات حاويات النـُّفايات المنتشرة هنا وهناك يعود للفقر المُدقع والشَّديد، ويتمُّ اقتناص صُوَرٍ بين الحين والآخر لأفراد يجمعون ما جرى رَميه في الحاويات، ويتم ترويج تلك الصُّور كنوعٍ مِن تشويه صورة مجتمعنا الطيب المتكافل الرافض بشدة أن تكون الحاويات ملاذاً للفقراء المُعوزين، فَمِن الأهمية أن نَجْهَرَ ونقول إنَّ تصوير تلك الظاهرة على الشكل المذكور هو خطأٌ محضٌ، فما نشاهده بأمِّ العين يؤكد أن وراء نبش الحاويات تجارة واسعة تدخُل في باب الحِرَف والمِهَن بما يفترض أن نُسلِّط الضَّوء على مُجرياتها للتوعية ولِفَهمٍ أشملَ.
فَمع بزوغ الفجر، يقترب واحدهم بمركبته وتكون في العادة من نوع «بكب» إلى جوار حاوية نفايات، فينزل ويبدأ عملية فرز محتويات الأكياس المُلقاة بداخلها على اختلاف أشكالها وألوانها... وقد كان جهز مركبته بكرتونات مختلفة القياسات لتسهيل عملية التصنيف. فَعَبْوات العطور الفارغة يضعها بِرفقٍ وحرص إلى جانب مقعده، أما عبوات المواد الأخرى فيلقيها برميةِ ماهرٍ على ظهر السيارة، هذه إلى اليمين وتلك إلى اليسار. فمن جالونات الزيوت على اختلاف علاماتها التجارية، إلى عَبوات «الشامبوهات» وسوائل الجلي، ومنظفات البلاط والأرضيات، ومعقمات المطابخ والحمامات، وقوارير شراب الفواكه المركز أو الجاهز للشرب، وعَبوات مشتقات الألبان ذات الأغطية غير مُحْـكمَةِ الإغلاق عادة، وأكياس الأرز المتنوعة الفارغة، وصولاً إلى عبوات زيوت حَمام الأطفال أو ما ماثل من كريمات تخص فلذات الأكباد وجـِلدهم الطريّ. والمشكلة الكُبرى تكمن في إعادة تعبئة تلك العبوات الفارغة وخاصة الشهيرة والمعروفة، بطرق يدوية مُتقنة دونما تعقيم وبمحتويات رديئة أو مُقلَّدة لا تتطابق والمواصفات الأصلية، ليصار إلى تسويقها في مناطق مختلفة سواء مباشرة أو مِن دكاكين ومحلات بطرق التفافـية وأثمان أرخص لتحقيق مطامع ومكاسب سريعة! وقد استثنينا من هذا السرد العبوات المعدنية للمشروبات الغازية فهذه يتعذر إعادة تعبئتها فيقومون ببيعها بالكيلو ربما لِـصَهْرِها.
وهناك ملاحظة تتعلق بقيام أصحاب بكباتٍ بتحريك أبنائهم للمشاركة في هذا الاكتساح الصباحي الباكر للحاويات ليتم إنجاز العمل بسرعة وكيلا تفوتهم فـُرَصُ حاويات أخرى لوجود منافسين لتنامي مـُحبي هذه التجارة لينبشوا محتويات الأكياس الملقاة داخل الحاويات دون قفازات تحمي أصابعهم الرقيقة، أو أغطية لوقاية أفواههم وأنوفهم مما يتطاير منها من جراثيم وأوساخ! يجري هذا كله في أحيان كثيرة تحت سمعِ وبصرِ آبائهم أو أولياء أمورهم فتراهم يُصدِرون أوامرهم الجائرة لأطفالهم للقفز والغوص داخل الحاويات لتفقد ما تحتويه. مُحبّبِينَ لهم العمل ببعض النقود أو بما يجدونه من مفاجآت داخل الأكياس! حتى إذا انتهَـوا من أداء العمل-وكان هذا خلال الأيام الدراسية-تناولوا على أقصى سرعة كتبهم وتحركوا إلى مدارسهم ليجلسوا على المقاعد وقد بدت ملامح ما أنجزوا على أيديهم وتحت أظفارهم.
على أن مشكلة المشاكل تكمن بترك نفايات مبعثرة حول محيط الحاويات جراءَ نبش الأكياس على الأرض ودون مبالاة بسلامة البيئة ونظافتها وصحة السكان المجاورين، لتنقضَّ عليها أسراب الغـِربان والزواحف والحيوانات والحشرات بأنواعها وخاصة تلك الحاويات القريبة من المتاجر، ومحلات القِصَابة،واللحوم والأسماك. فتُصبح المواقع بسرعة مكاره صحية لحين وصول عمال النظافة في وقت عملهم المُعتاد حيث يقومون بأداء مهامهم على خير وجه. حتى إذا عادوا في اليوم التالي وجدوا المستهترين بالبيئة قد أعادوا نثر النفايات دون ضميرٍ يردعهم!
ثمة ملاحظة، ينبغي لفت الانتباه اليها عن قيام مجموعات بجولاتٍ بين البيوت وكبس أزرار أجراس بعضها بذريعة طلب زجاجات عُطورٍ فارغة، لذا وجبَ الحَذر مِن هؤلاء حيث يقومون بتوريدها لمختصين بالتزوير والتحايل لتعبئتها بأنواع هابطة مقلدة وتغليفها ثمَّ تسويقها مع الباعة المتجولين أو وضعها في محلات على أنها أصلية. وفي هذا تحايلٌ واحتيال وربما يقع مَن قَدَّم الزجاجات الفارغة نفسه أو أحد أفراد عائلته ضحية فيبتاع المُقلد المزوَّر في وقت لاحق! وعليه ففي تحطيم تلك الزجاجات أو إتلافها بطريقة لا تعود صالحة للتعبئة ما يقي مجتمعنا من أسلوب تحايلٍ جديد أخذ يَنْشَط على الساحة!