اخبار البلد- بسام بدارين -يصدم رئيس الوزراء الأردني عون الخصاونة كثيرين في الواقع الموضوعي وهو يدفع بإتجاه تبديل الإنطباعات السائدة عن رؤساء الحكومات فهم بالعادة متقلبون ويتمايلون مع الريح ولديهم دوما قدرة إستثنائية على الإنقلاب حتى على أنفسهم.
بوضوح شديد يجهز الخصاونة على هذا العادة عندما يقدم نموذجا مختلفا فخلال ثلاثة أشهر في واحدة من أكثر المراحل حساسية لم يغير الخصاونة أو يبدل في أرائه وإنطباعاته وحتى في المفردات التي يستخدمها أحيانا بدليل أنه في واشنطن التي يتغير فيها الجميع شكلا ومضمونا تحدث الخصاونة بنفس اللغة التي تحدث بها في عمان وإزاء مختلف القضايا.
وحسب شهادة الكاتب السياسي فهد الخيطان الذي رافق الملك عبدلله الثاني في الزيارة الأخيرة للولايات المتحدة ووقف على كواليس الزيارة لم يجد الخصاونة أن ظروف الزيارة وترتيباتها تتطلب منه تغيير قناعته العلنية بالحاجة الملحة لجودة التشريعات الإصلاحية على حساب أجندة الإنتخابات العامة الزمنية.
وجهة نظر الخصاونة في السياق لا تعجب الكثيرين فقد سمعته 'القدس العربي' وهو يسأل أعضاء لجنة الحوار الوطني: تريديون إنتخابات سريعة.. حسنا ساحل البرلمان وأبادر للإنتخابات لكن لا تتوقعوا مني قانونا جيدا للإنتخاب وستجري الإنتخابات بموجب قوانين الدوائر الوهمية.
طبعا وبوضوح لا يتردد الخصاونة في التمسك بقناعاته المبدئية حتى عندما يلتزم الخطاب الملكي بإجراء الإنتخابات العامة في العام الحالي 2012 على أمل ان تشكل الإنتخابات خيارا أخيرا لإحتواء الحراك وإعادة إنتاج المشهد السياسي المضطرب .
ويمكن القول ان وجهة نظر بعض مؤسسات القرار خارج الصف الحكومي لا زالت تتصور بأن إجراء الإنتخابات عام 2012 'أقل كلفة' بالنسبة لحضور ومشاركة التيار الإسلامي عن العام الذي يليه وهو عام الإستحقاق الإنتخابي دستوريا وحسب رأي عضو لجنة الحوار الوطني مبارك أبويامين ثمة كلف إضافية سياسيا لتأخير الإنتخابات.
والعقدة في هذا الموضوع مرتكزة عمليا على عدم وجود 'ضمانات' من أي نوع بأن يشارك الإسلاميون في الإنتخابات العام الحالي حيث يريط الأخوان المسلمون مشاركتهم بتبني ثلاث قضايا أساسية هي القائمة النسبية على مستوى الوطن في نظام الإنتخاب وإلغاء مجلس الأعيان والنص دستوريا على حكومة أغلبية وهي مسائل تعني بالمحصلة تقليص المزيد من صلاحيات القصر الملكي، الأمر الذي ترفضه العشرات من نخب الدولة والقرار.
مقابل ذلك إتجاه رئيس الحكومة يتحدث عن تحديات معقدة في الواقع تتطلب تشريعات إصلاح جذرية وأساسية في الحياة العامة مع عدم وجود ما يبرر الإستعجال في الإنتخابات لأهداف سياسية مرحلية وعليه يتحدث الرجل عن جودة التشريعات والوقت اللازم لإنضاجها كأولوية قد تتطلب التنازل عن خيار الإنتخابات المبكرة وهو حديث فهم الجميع من خلال الخيطان مثلا بأن الخصاونة كرره وتمسك به حتى في واشنطن.
وعلى هذا الأساس تبدو مدرسة القرار الأردنية منقسمة لإتجاهين في التعامل مع هذا المفصل.. الأول يقوده رئيس الوزراء صاحب الولاية الذي لا يبدو مرتاحا للإنتقال فورا وإجرائيا للإنتخابات على حساب جوهر الإصلاحات القانونية. والثاني تتبناه الحلقة الإستشارية والأمنية التي ترى في إنتخابات نزيهة وسريعة فرصة أكبر لتجنب سيطرة الإسلاميين على الإيقاع العام وإحتواء الحراك.
وفي عمق هذا الإنقسام يبدو واضحا أن حسم المسألة ملكيا سيقود في المحصلة إلى واقع لم يكن متوقعا يتمثل في 'إجهاض' تجربة وزارة الخصاونة قبل ان تفعل شيئا حقيقيا بما في ذلك المهام الإستثنائية التي كلفت بها فإجراء الإنتخابات العامة قبل نهاية العام الحالي يعني حل البرلمان الحالي وتعديلات الدستور الأخيرة تمنع أي حكومة تحل البرلمان من العودة للحكم.
بلغة أخرى سينتهي المشهد بسيناريو تشكيل وزارة جديدة إنتقالية تكلف بإجراء الإنتخابات وهي وزارة ستحتاج بالمنطق القانوني والعملي إلى خمسة أشهر على الأقل قبل يوم الإقتراع لإنها سترحل بالضرورة بعد الإنتخابات الجديدة حسب الأعراف الدستورية والسياسية.
وهذه المتوالية لا تعني إلا حقيقة واقعية واحدة فقط هي ان حكومة الخصاونة قد لا يتاح لها البقاء في الحكم لأبعد من شهر أيار (مايو) المقبل أومطلع حزيران في أبعد الأحتمالات.
لا يعني ذلك إلا نهاية سريعة لحكومة الرجل الذي أدخل يديه في عش الدبابير عندما خرج عن المألوف ثلاث مرات على الأقل في غضون ثلاثة أشهر حيث حاول فعلا لا قولا 'إستعادة الولاية العامة' بمعنى إخضاع الأمني للسياسي ثم تصرف قليلا كوزير للدفاع قبل أن يكسر بعض التابوهات وهو يلوح بفتح ملف بيع الشركات العامة .
لذلك يشعر البعض بأن خيار الإنتخابات المبكرة قد ترتبط خلفيته بالسعي للتخلص من تجربة الخصاونة المقلقة والمزعجة للكثيرين أكثر مما ترتبط بأسباب أخرى من بينها إستقطاب الإسلاميين وإحتواء الحراك.
رغم مثل هذا الإفتراض السياسي تبدو حكومة الخصاونة 'مرنة' وغير مهتمة بالمواجهة والصدام فمشروع الموازنة المالية تضمن بند النفقات المخصص لإنتخابات عامة في العام 2012، والفرصة متاحة أمام حكومة مختلفة للإنسحاب من المشهد بدون زحام أو صراعات فيما يبقى السؤال: ما الذي يمكن أن تنجزه إصلاحيا وتنمويا وإقتصاديا وتشريعيا حكومة جديدة مهددة بالإنسحاب بسبب نص دستوري متسرع صيغ على عجل في لحظة غفلة من النظام ومؤسساته؟
رئيس الوزراء وخلافا للمألوف 'لم يغير أقواله' بواشنطن والإنتخابات المبكرة كلمة السر في إقصاء الحكومة

أخبار البلد -