لم يكن جلالة الملك عبدالله الثاني بحاجة لصياغة نظرية للتأكيد على أن الدعم الاردني الهاشمي لفلسطين والفلسطينيين، كان وسيبقى مستمرا ، وهذا ما رمز له حضور سمو ولي العهد للقاء جلالة الملك مع أبناء مخيم عزمي المفتي،كما لا يحتاج للتأكيدعلى أن المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والتصدي للمشاريع التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية، وإضعاف الموقف العربي بمواجهة الاحتلال، واستمرار تقديم الحماية والرعاية للمقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين والقدس على وجه الخصوص ،ورعاية الفلسطينيين في مخيمات اللجوء بالاردن،هي مجموعة معارك في حرب واحدة بالرغم من الظروف التي يعاني منها الاردن .
ومن هنا تأتي أهمية الزيارة الملكية الى مخيم عزمي المفتي حيث تحمل رسائل عديدة :
اولها : أن جلالة الملك الذي حدد الموقف الاردني الثابت من القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة يترجم من خلال مهنيتة القادمة من خلفيته العسكرية ومن موقعه السياسي كقائد أردني عربي هاشمي، يقرأ موازين القوى الدولية ببعد نظر وبمنطق استراتيجي بعيد وعميق، لم ولن يتخلى عن أبناء فلسطين المهجرين من أرضهم ، كما لم ولن يتخلى عن قضيتهم بالرغم من الضغوط الاقتصادية، وبعض السياسية التي تشنها قوى دولية وبعض العربية على الاردن من أجل القبول بشروط الاحتلال لإنهاء القضية الفلسطينية، والتي أدرك ويدرك جلالته أنها لو تمت فانها ستتم على حساب الشعبين الاردني والفلسطيني ، وبالتالي كان موقف الملك رافضا كل تلك المحاولات وما قدم من إغراءات ، فكان التأكيد مرة أخرى خلال لقاء أبناء مخيم عزمي المفتي أنه لا تراجع في الموقف الاردني الثابت من القضية الفلسطينية ومن المقدسات الاسلامية والمسيحية بإعتبارذلك خط أحمر .
ثانيا: بديهيتان لا حاجة للمناقشة فيهما كما أكد ويؤكد جلالة الملك في كل حواراته مع قادة العالم ،أو من خلال اللقاءات الصحفية مع وسائل الاعلام الاجنبية ، اولهما :لا تنازل عن حدود الرابع من حزيران والقدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية، ثانيا لا أمن بدون الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والتي ضمنتها قرارات الشرعية الدولية.
ثالثا : أن المخيم كعنوان للجوء الفلسطيني وعنوان للمظلومية التي لحقت بهذا الشعب، لن يتم تصفيته ، وسيستمر الاردن بتقديم الخدمات لابنائه بالرغم من الضغوط الاقتصادية، حيث قدم ويقدم الاردن كل الدعم للمخيمات منذ العام 1948وحتى الان في كافة المجالات التعليمية وخدمات البنية التحتية والصحة والعمل وحتى الحقوق السياسية، وغيرها من خدمات وبمبالغ مالية فاقت عشرات المليارات مترافقا ذلك مع ما تقدمه الاونروا من خدمات للمخيمات ، كما لم ولن تثني الاردن عن التمسك بالثوابت تجاه الفلسطينيين مهما ارتفع صوت الصخب والضجيج الذي نسمعه عن مخاطر ما يجري في المنطقة وفي فلسطين بإعتبار هذا الضجيج والصخب تحوّلاً مفصلياً نحو تصفية القضية الفلسطينية.
رابعا : أن في التجسيد الفكري ورمزية الدور الذي يحمله جلالة الملك كوريث لرسالة الاسلام ،والتي حملها جده النبي العربي الامين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للعالم أجمع ، ورسالة الثورة العربية الكبرى التي قادها جده الشريف الحسين بن علي والذي دفع ثمنا غاليا لرفضه التنازل عن فلسطين "كما تذكر الوثائق البريطانية عن نجد والحجاز/ للمترجم نجدة فتحي صفوت"، تضع فلسطين في مكانة الروح من الجسد، ، وبالتالي يتجسد الاهتمام الملكي بأبهى عناوين الحضورالعربي والدولي وتفاصيلهما النابعة من عاطفة صادقة متدفقة نحو النبي عليه الصلاة والسلام من ناحية ،ومن ناحية أخرى شجاعة القائد العسكري والسياسي العارف بموازين العلاقات الدولية، وأهمية الانخراط في المجتمع الدولي وفق هذه الموازين التي تحمي الاردن وتجنبه الكوارث، حيث قدم جلالته نموذجا لا يضاهى بين قادة الامتين العربية والاسلامية والعالم بما وفرلجلالته من مكانة دولية جعلته يضع القضية الفلسطينية على أجندات المجتمع الدولي .
ان الاردن الذي تمكن منذ التأسيس تجاوز إمتحانات الوجود ومحن الصراعات الاقليمية، لم تبعده الازمات عن دعم الشعب الفلسطيني وجعلها قضيته الاولى في أجندات إهتمام قيادته وشعبه، فخلال العشرين عاما الماضية إستطاع جلالة الملك عبد الله الثاني أن يبعد الاردن عن الاحداث والمحن الهوجاء التي عصفت وما زالت تعصف بدول المحيط العربي وبإلاقليم ،كما تمكن جلالته أن يسقط من القاموس السياسي الدولي والاقليمي سؤال الوجود الاردني الذي كان مطروحا على بساط البحث حيث حاولت الادارة الامريكية السابقة فرضه من خلال ما عرف أنذاك "بصفقة القرن " ،كما إستطاع جلالة الملك أن يمنع إسقاط القضية الفلسطينية من أجندات المجتمع الدولي ،من خلال ما يتمتع به من علاقات دولية واحترام ومصداقية عالية في التعاطي مع شؤون العالم وقضاياه ،وكما هو الحال مع قضايا المنطقة وخاصة القضيةالفلسطينية التي يعتبرها جلالته مسألة داخلية اردنية ، ومن هنا كانت الزيارة تجسيدا عمليا كما هو الحال دائما لمدى ما يقدمه الاردن لأبناء الشعب الفلسطيني في كل المجالات ،وخاصة في مخيمات اللجوء حيث يعتبرهم من مواطني البلاد بكل ما تعني المواطنة من معنى سياسي وانساني مع التأكيد على حقهم بأرضهم ووطنهم في فلسطين،بالرغم من تعرضه لهجمات تصل الى حد انتاج ما عرف سياسيا بقلق الإسقاط للدولة من خلال محاولة فرض مشاريع مشبوهة لحل القضية على حساب الشعب الاردني وعلى حساب الشعب الفلسطيني .